مركز تراث الحلة
معركةُ الورديَّة
التاريخ : 9 / 2 / 2020        عدد المشاهدات : 1661

أربعةُ قرونٍ خلت جثم على صدور العراقيِّين كابوس السلطة العثمانيَّة، ذاق المجتمع العراقيّ بسببه الويلات والدمار فقد استشرى بين أهله المرض والفقر، وغياب الأمن، والحرمان من الحقوق، وقد انقطع عن العالم الخارجيّ تمامًا وعاش في عزلة جعلته يرزح تحت نير التخلف والأمراض ومنها الطاعون، فيما أصاب مدينة الحِلَّة السهم الأكبر من سهام استهتار تلك السلطة وحماقة قادتها؛ بسبب قربها من مركز حكم العثمانيِّين في بغداد فنهبوا خيراتها وصادروا أموالها عن طريق فرض الضـرائب التي تعددت أنواعها وارتفعت أثمانها وفقًا لمزاج الجُباة، دون أن يقدموا لهذه المدينة وأهلها أبسط الحقوق، ممَّا أدى ذلك الإهمال الى انتشار الأمراض والأوبئة فيها، وعاش أهلها في ضنك العيش، فأحوالهم الاقتصاديَّة معدومة؛ إذ لا حول لهم ولا قوة أمام جبروت وتسلّط آل عثمان ومرتزقتهم على رقاب المجتمع الحِلِّيّ، أمَّا العشائر المحيطة بالمدينة، فقد كانوا يعيشون في ظروف بائسة، فالفقر والعوز يضرب قراهم، ومضاجعهم، وزراعتهم بدائية تعتمد على الجهد العضليّ، والجُباة يتنقلون بين مضاربهم يجبون الضـرائب (الديوانيَّة) المتعددة، وسُميت بالديوانيَّة؛ لأنَّها فرضت بقانون من الديوان التي تفرض على الأراضي وما تنتجه من مواد زراعيَّة، وضريبة (الكودة)، وهي ضريبة تفرض على الأبقار والأغنام، والإبل وغيرها من الحيوانات، وضريبة (المجزرة)، التي تُؤخذ على كلِّ رأس ماشية يذبح، وضريبة (البائع )، وضريبة (الدمغة)، وتفرض على الوثائق والمكاتبات وضريبة (الكمرك)، وغيرها من الضرائب، ممَّا جعلت العشائر تقوم برفع لواء الثورات والانتفاضات الدائمة ضد السلطات العثمانيَّة لأجل تغيير الواقع المأساويّ الذي يعيشونه، فكان لعشائر الفرات الأوسط ومنها الحِلَّة السهم الأبرز في تلك الثورات، و(معركة الورديَّة) واحدة من تلك المعارك التي خاضتها العشائر البطلة، ومنها (بني حسن، الخزاعل، زوبع، وجفيل)  ومن تحالف معهم من أهل المدينة، ضد الجيش العثمانيّ بقيادة الوالي نامق باشا في رجب سنة 1267هـ، 1850م في منطقة الورديَّة (بحدود 4 كم شرق مدينة الحِلَّة) .

الوالي نامق باشا

        يعود سبب معركة الورديَّة الذي شكَّل حلقة وصل مع الأسباب التي تمَّ ذكرها، الى التحالفات التي عقدتها عشائر الخزاعل مع عشائر الهنديَّة والواقعة في الأساس ضمن الحدود الإداريَّة للواء الحِلَّة آنذاك وقد كانت هذه الثورات ضد جبروت وتسلط الولاة العثمانيِّين فيما حاول عبدي باشا والي بغداد إخمادها بالقوة ودون أن يفكر في أسباب نشوبها واستمرارها، ممَّا جعل الأمور تزداد تعقيدًا على سلطات بغداد لاسيما عندما قامت عشائر بني حسن بشنِّ هجومٍ مُباغتٍ على الحامية العسكريَّة في الكفل ودمّرتها، وأوقعوا جنودها بينَ قتيلٍ وجريح.

بالخطأ نفسه عاد هذا الوالي مرّةً أُخرى مدفوعًا بجبروته وعنجهيته المرتكزة على القوة العسكريَّة دون التفكير بالعواقب محاولًا إنهاء ثورة عشائر الهنديَّة من خلال حملة عسكرية إلى منطقة العوينة قُرب الهنديَّة، لكنَّه عاد يجرُّ أذيال الخيبة والخذلان بعد الخسارة الفادحة التي منيَ بها، وكان لدخول عشائر الخزاعل وثقلها العسكريّ إلى جانب عشائر الهنديَّة، الأثر الكبير في حسم المعركة لصالح العشائر، فكان هذا سببًا لعزل عبدي باشا من الولاية والمجيء بوجيهي باشا واليًّا على بغداد.

 

   قوات الاحتلال

 لم يستطع وجيهي باشا حل مشكلة الانتفاضات العشائريَّة ولا سيما في مناطق الحِلَّة، ممَّا أدّى إلى إقالته وتعيين نامق باشا بدلًا عنه، والذي كان يشغل منصب القائد العسكريّ للعراق في عهد وجيهي، وكان هذا مُتشدّدًا في سياسته وقد عُرِفَ بالقوة والشدة في تطبيق أنظمة السلطة وتوجهاتها بقسوة، حتَّى وقع له حادث مع صيرفي مسيحي من الرعوية الفرنسيَّة في بغداد، أثارت عليه نقمة الهيئات الأجنبيَّة، فاستدعاه السلطان الى الإستانة.

وقد دفعته غطرسته مرة أخرى إلى ارتكاب الخطأ نفسه الذي وقع به أسلافه من ولاة بغداد تجاه العشائر، ونظرته لها بنظرة عسكريَّة، ودون أن يبحث عن أسباب ثوراتها، وأيّده في ذلك الباب العالي في إسطنبول، فوجّه حملة عسكريَّة كبيرة إلى لواء الحِلَّة، هدفها القضاء على ثورات عشائرها.

التقت العشائر المنتفضة مع جيوش نامق باشا في منطقة الورديَّة، ودارت بين الطرفَين معركة حامية الوطيس وصلت إلى المواجهة بالسلاح الأبيض، وبسبب فارق العدة والعدد بين ثوار العشائر ذو التسليح البسيط مقارنة بالجيش العثمانيّ الذي يمتلك أسلحة ناريَّة حديثة بضمنها مدافع تمَّ استخدامها بإتقان فقد مارست دورًا بارزًا في حسم المعركة لصالح قوات الحكومة التي استطاعت تفريق جموع العشائر الثائرة، وإجبارها على التراجع إلى الجنوب في الكفل والشاميَّة، وهكذا انتهت واقعة الورديَّة دون أن تحقق ما كان مُنتظر منها في رفع الحيف والظلم عن أبناء الحِلَّة وعشائرها.


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :