مركز تراث الحلة
قلعة آل جريان
التاريخ : 25 / 1 / 2020        عدد المشاهدات : 2975

تهتمُّ الدول اليوم بالجانب السياحيّ؛ لدعم اقتصادها الوطنيّ، ومن أبرز مرتكزات السياحة هي المعالم التراثيَّة والأثريَّة؛ لكونها جزء من هوية الشعوب وخلاصة تجاربها ونتاجها عبر السنين، فهي تحكي قصص الماضي فتسعى تلك الدول إلى العناية به والمحافظة عليه.

قلعة ال الجريان من الاعلى

ولما كانت مدينة الحِلَّة تحظى بخصوصية بارزة بين دول العالم لما ورثته من تلك الآثار، ومن ذلك التراث الكبير قلعة آل جريان، التي تعدُّ من أهم القلاع التراثيَّة في الفرات الأوسط والتي يعود تاريخ تشييدها إلى عام 1890م، وكانت آنذاك مُشيَّدة من الطين، ثم جُدِّد بنائها بالطابوق وفقًا للطراز الرومانيّ القديم.

وبُنيت من الآجر والطين والنقوش المجصَّصة والحجارة، ووظيفتها دفاعية، وهناك ما يربو عليها من القلاع والحصون وأبراج المراقبة، باتت تلك القلعة شامخة تحرس ما حولها من أراضٍ وسهولٍ ووديانٍ، فكلُّ منها شهد ماضٍ يدعو للفخر، حيث لكلٍّ منها قصتها الخاصة التي ترويها.

وجاءت تسمية القلاع كما يسميها أصحابها؛ لاحتواء بعضها على (مفاتل) قتاليَّة دفاعيَّة لحماية ساكنيها، وأصبحت لشهرتها نقاطًا دالَّة، وإنَّ بعضها مثبت على خرائط الدولة العراقيَّة الكادسترو (خرائط توصيف حدود الملكيات للأراضي)، وملحق بهذه القصور بيوت بسيطة للحرس والخدم، فضلًا عن إسطبل للخيول، كلُّ هذا ما زالت تحتفظ به هذه القلعة، فرائحة التأريخ تفوح من بين جدرانها القديمة وأبوابها وشبابيك قديمة بقدمها، كما تضم هذه القلعة الكثير من قاعات الاستقبال للمناسبات والغرف المختلفة.       

قال الدكتور عبد الرضا عوض: إنَّ فيها أربعة مفاتل للدفاع، بقي منها اثنان فقط، وفيها قاعات للمناسبات ولاستقبال الضيوف.

وقد شهدت هذه القلعة الكثير من الأحداث السياسيَّة والاجتماعيَّة التي وقعت في العراق، وقد كانت تُعقد فيها المؤتمرات في زمن الشيخ عداي الجريان الذي كان رئيسًا لمجلس أعيان العراق ومن المؤسسين للدولة العراقيَّة.

الملك فيصل الثاني

وقال عوض" بعد استلام فيصل الثاني سلطة العرش على العراق أرادوا أن يستقبلوه في هذه القلعة فتمَّ إضافة جناح الملك" وما زال هو الآخر يحتفظُ بذاكرةٍ سياسيَّةٍ مهمةٍ في تاريخ العراق حيث توجد فيه صور لملوك وشخصيات في الدولة العراقيَّة، ولم يتغير من هذه القلعة شيء في التصميمِ والآثاثِ الملكيَّةِ وطبيعة البناء السائدة آنذاك.

ومن أهم الشخصيات التي زارت هذا المكان الوصي عبد الإله، وفي سنة 1958م زارها أيضًا الوفد البرلمانيّ الأردنيّ برئاسة (هزاع المجالي) في عهد حكومة الاتحاد الهاشميّ بدعوة من الشيخ عبد المُحسن الجريان وقد هيأ وعَدّ كافة المراسيم الخاصة بالزيارة، وكان يومًا مشهودًا حيث تمَّت الزيارة بسلام ورجع الوفد إلى بغداد وقبل أن ينهي الوفد زيارته إلى العراق حدثت ثورة 14 تموز 1958.

    لقد كانت هذه القلعة تمثل (ديوان العرب) في تلك المناطق؛ إذ يجتمعون فيها يوميًّا، ويتبادلون الحديث والآراء ويتلذذون بشرب القهوة العربيَّة من يد (الكهوجي)، ويستقبلون فيها الوفود، فامتلكت خصوصية لدى العشائر العربيَّة في المنطقة، كما أنَّها كانت ملاذًا لكلِّ مَن يريد الاحتماء من الأخطار، وهي في الوقت نفسه المحكمة التي تدين المعتدي، وتعيد الحق لأصحابه، إلَّا أن التوسع وتغيَّر الوضع الاجتماعيّ وارتباط الناس بعملهم جعلهم مشتتين، في مناطق تبعد الواحدة عن الأخرى عشرات الكيلومترات، وكانت تنتشر حول القلعة بساتين أخذت اليوم في الانحسار، وقد تأثَّرت كثيرًا بالاختلاف الحراريّ في المناطق الصحراويَّة، فالفرق الكبير في درجات الحرارة في الليل والنهار يسبب تسخين جدران القلعة، كما تنخفض درجة الحرارة في أثناء الليل فتبرد السطوح الخارجـية للجدران بينما يظـل باطن الجدار ساخنًا، وقد سبب هذا تصدّع جدران القلعة المبنية من الطابوق المفخور، وهذا النوع من مواد البناء يتأثر كثيرًا بالمناطق الجافة.

 

تعدُّ هذه القلعة من المواقع التراثيَّة المهمة التي تأرشف لحقبةٍ مهمةٍ من تاريخ العراق السياسيّ والاجتماعيّ، وهي ما زالت صامدة بوجه عواصف الزمن، لكنَّها مهملة كبقية المواقع التراثيَّة المهدَّدة بالاندثار، وعلى الرغم من أنَّ عائلة الجريان وعشائر البو سلطان يجاورون القلعة ويسعون للحفاظ عليها كإرث تاريخيّ إلَّا أَّن سعتها وأهميتها التاريخيَّة تتطلب جهدًا وطنيًّا؛ لإدامتها بأسلوب علميّ يرقى إلى كونها معلمًا مهمًا، وأوَّل خطوة في هذا الاتجاه إدراجها ضمن المواقع التاريخيَّة التي يتوجب عدم إخضاعها للتغيير في شكلها وبنيانها؛ لكي تبقى محافظة على ملامحها التراثيَّة.

لذلك ينبغي الاهتمام بهذه القلعة؛ لكونها قد تعرّضت للمؤثرات الجويَّة وتعرّيات الرياح وتأثيرات أشعة الشمس القوية، فهي تعاني التقادم الزمنيّ والملوحة التي تسلقت جدرانها وأكلت بعض أسسها، كما أنَّ أساساتها التي تكسوها الأملاح البيضاء سبَّبت تلفًا تدريجيًّا قد يؤدي مستقبلًا إلى الانهيار إذا ما استمر الأمر على هذا المنوال.


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :