عالمٌ فاضلٌ وأديبٌ بارعٌ، من رموز الحِلَّة في الشعر والأدب، ومن الأطواد التي يتوقف عندها المريد، لكي يحصل على ما يُريد، جمع فضيلتَي الشعر والعلم، فقد كان ذا نفس شعري باذخٍ، وقريحة شعرية ثرة، وقصائده الطوال شواهدٌ على ذلك، وعلى نبوغه في الشعر.
أبو الحسن الشيخ علي بن الحسين الحِلِّيّ الملقَّب بعلاء الدين، والمعروف بالشفهينيِّ لم يعرف تاريخ ولادته، ولا تاريخ وفاته، ولكن من المرجّح أنَّه عاش في النصف الثاني من القرن الثامن الهجريّ، والنصف الأوَّل من القرن التاسع الهجريّ، وهو من المعاصرين للشهيد الأوَّل (ت786هـ)، وقد اختلفت نسبته، وذكرت بعدة وجوه، منها الشفهينيّ وهي النسبة المعروفة، والأكثر شهرة، وذكره القاضي المرعشي في (مجالس المؤمنين)، وفي (الرياض) ابن الشفهينه، وهو اسم أمه، أو الشهفينيّ (بتقديم الهاء على الفاء)، ذكرها يوسف البحرانيّ في (الكشكول)، والكفعميّ في مجموعته، أو الشفيهنيّ (بتقديم الياء على الهاء)، ذكرها الشيخ الحرّ العامليّ في (أمل الآمل)، أو الشافينيّ وهي التي ذكرها السيِّد مهدي القزوينيّ في (المزار من فلك النجاة)، أو الشاهينيّ، وذكره بها الشيخ داوود الأنطاكيّ صاحب (التذكرة) في كتاب (تزيين الأسواق) وقال عنه : "الأديب الحاذق علاء الدين الشاهينيّ"؛ وقد رجَّح هذه التسمية السيِّد هادي كمال الدين فقال: "ولعلَّ من الراجح ما ذهب إليه صاحب كتاب (تزيين الأسواق)، ففي الحِلَّة بيت معروف ببيت الحاج شاهين، ولعلَّه هو فحُرِّف، فلم يوجد بيت في الحِلَّة يقاربه في الاشتقاق، ولعلّه من ذرية صاحب الترجمة"، وزعم بعضُهم أنَّه منسوب إلى شفهين، قرية في جبل عامل أو البحرين، وليس في كلا القطرين قرية تعرف بهذا الاسم، وقد دفن الشفهينيُّ في الحِلَّة، حيث يعرف مرقده الآن في محلة المهدية.
يغلب على شعر الشيخ الشفهينيّ ميله إلى المُحسنات اللفظيَّة والبلاغيَّة، وهي سمةٌ وسم بها شعر العصور المتأخرة، حتَّى لا نكاد نظفر بشاعر في تلك المدة، إلَّا نجده قد ركن إلى هذا الأسلوب.
يعدُّ الشفهيني من شعراء أهل البيت (عليهم السلام)، الذين كتبوا في مدحهم ورثائهم، ومآثرهم المطولات، وهو سمة وسمت أغلب ديوانه، ويمتاز شعره بالرقة والعذوبة، وكذلك بقوة اللفظ ومرونته، وهي مزيات فرضتها طبيعة المناخ الأدبيّ الذي يعيش فيه الشاعر، وكذلك المناخ البيئيّ، فهو شاعر حِلِّيّ، بكلِّ ما في الحِلَّة من دعة وطراوة، ولين وطيب، وقد توهَّم صاحب (البابليَّات) حين قال بأنَّه ليس حِلِّيَّا، ودليله كثرة حديثه عن غربته، وقد فات اليعقوبيّ أن باب الشكوى والألم من أقدم أبواب الشعر العربيّ فقد كانت إحدى أنواع المقدمات الشعريَّة، مقدمة الشكوى والشيب، وبتأمل بسيط للأبيات التي نجده فيها شاكيًّا غربته، فإن شاعرنا لا يتحدث عن غربته بعيدًا عن وطنه، بمعنى أنَّه في بلدٍ غير بلده أصالةً، وإنّما يتحدث عن غربته بعد رحيل أحبابه، وهي الغربة المجازيَّة التي طرقها الشعراء مرارًا في القديم، يقول الشفهيني:
وقد كنتُ أبكي والديار أنيسةٌ وما ظعنت للظاعنين قفولُ
فكيف وقد شط المُزارُ وروعت فريق التداني فرقةٌ ورحيلُ
إذا غبتم عن ربعِ حِلِّة بابلٍ فلا سحبتْ للسحبِ فيه ذيولُ
ومن أشهر شعره قصائده في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام) الكافية التي مطلعها:
يا عين ما سفحت غروب دماك إلَّا بما ألهمتُ حبّ دُماك
وقصيدته في أمير المؤمنين (عليه السلام), التي ما إن تُذكر حتَّى يذكر الشفهينيّ معها, فأصبحت هي هو, وهو هي, وهي من الجودة، والرقة، والجزالة، والفخامة، في المحل السامي, إذ تحمل نبرة حزن وألم, تُبكي القلب وتُدمي العين, فهي عرض شعري فخم, لحالة أهل البيت (عليهم السلام), يحكيها الشاعر وكأنَّه يقصُّ خبر الإمام الحسين (عليه السلام), وأهل بيته في يوم عاشوراء, على أمير المؤمنين (عليه السلام):
يا مَنْ إذا عُدَّت فضائلُ غيرهِ رَجَحَت فضائلهُ وكانَ الأفضلا
إنّي لأعذرُ حاسديكَ على الذي أولاكَ ربُّك ذُو الجلالِ وفضّلا
إنْ يحسدُوكَ على عُلاكَ فإنما مُتسافلُ الدّرجاتِ يحسدُ مَنْ علا
إحـياؤك الـموتى ونطقك مخبرًا بـالغائبات عـذرتُ فيك لمن غلا
وبـردّك الـشمس الـمنيرة بعدما أفـلت وقـد شهدت برجعتها الملا
ونـفوذ أمرك في الفرات وقد طما مــدًّا فـأصبح مـاؤه مـتسلسلا
وبليلةٍ نحوَ المدائنِ قاصدًا فيها لِسلمان أتيتَ مُغسّلا
وقـضيّة الـثعبان حـين أتاك في إيـضاح كـشف قضيّة لمن تعقلا
فـحـللت مـشكلها فـآب لـعلمه فـرحًا وقـد فصّلت فيها المجملا
وعـلوت من فوق البساط مخاطبًا أهـل الـرقيم فـخاطبوك معجّلا
أمـخاطب الأذيـاب فـي فلواتها ومـكلم الأمـوات في رمس البلى
يا ليتَ في الإحياءِ شخصك حاضرٌ وحسينُ مَطروحٌ بعرصةِ كَربلا
عُريانُ يكسوهُ الصعيدُ مَلابسًا أفديهِ مَسلوبَ اللّباسِ مُسربلا
مُتوسّدًا حَـرَّ الصّعيد مُعفَّرًا بدمائه تَرِبَ الجبينِ مرمَّلا
ظمآن مجروحَ الجوارحِ لمْ يجد ماءً سوى دَمَه المبدَّد بالفلا
ولصدرهِ تطأُ الخيولُ وطالما بسريرهِ جِبريلُ كانَ موكَّلا
عُقِرَت أما علمتْ لأيِّ معظَّمٍ وطأتْ وَصدراً غادرتهُ مُفصّلا
ولثغرهِ تعلو السّياطُ وطَالما شَغِفاً لهُ كانَ النبيُّ مُقبّلا
وبَنُوه في أسرِ الطُّغاة صوارخٌ ولهاءَ معولةً تجاوبُ مُعولا
ونساؤه من حَولهِ يَندُبْنَه بأبي النساء النادبات الثُكَّلا
إنَّ المفردات التي تشتمل عليها هذه القصيدة, تدلُّ على تمكنٍ من اللغة, واتقانٍ لاستعمال مفرداتها, فهي مفردات تنْسابُ على اللسان انسيابًا, وكذلك فإنّ عملية التنقل بين موضوعات القصيدة, تمَّ بشكلٍ سلسل, وكأنَّه يقصُّ علينا قصةً فنيةً, تحمل كلّ مواصفات القص الفني, لكنَّه قصٌ شعريٌّ, غير أنَّ هذا الأسلوب لا يعيب القصيدة, فكونها تسجل واقعًا زمانيًّا ما, لا يجعلها خارجة عن ميدان الشعر والشاعريَّة, فهذه هي طبيعة الشعر في الحقب القديمة,؛ إذ إنّ الغرض الشعريّ, والمقام الشعريّ, يفرضان هيئة القصيدة ومضمونها, وكذلك يحددان طبيعة العناصر المشكلة للجسد الشعريّ, فلا يعدُّ عيبًا في الشعر أن يحمل النص تسجيلًا فنيًّا شعريًّا لواقع زماني ما,، بل إنَّ شعر العرب في أصله, كان ديوانًا لأيامهم ومآثرهم ومواقعهم وأفراحهم وأتراحهم, ومن غير الممكن أن ينسلخ الشعر عن وظيفته الوجودية تلك.
إنَّ النفس الشعريّ المهيمن على النص, يكشف عن بعد نظر، وقوة قريحة, فالشفهينيّ هو صاحب السبع المطولات, التي أصبح يُعرف بها, وهذا النفس الطويل نجده من خلال أسلوب التنقل بين المعاني المعطاة في النص, وهذه تعد من حسنات شعر الشفهينيّ.
الاجتماع الدوريّ لمجلّة تراث الحلّة المحكّمة 23 / 10 / 2016 |
|
مشاركة مركز تراث الحلة بـ ( مهرجان حليف القرآن السنوي الرابع) في مزار زيد الشهيد (عليه السلام) 9 / 8 / 2016 |
|
الندوة المشتركة مع مركز دراسات الكوفة في رحاب مركز تراث الحلة 9 / 10 / 2016 |
|
المنتدى التراثي العاشر.. احتفال المركز بذكرى تأسيسه السابعة 28 / 2 / 2021 |
|
سدة الهندية المشيدة عام 1914 17 / 8 / 2016 |
|
الشيخ محمد بن أحمد بن إدريس المتوفي سنة 598هـ 18 / 4 / 2017 |
|