مركز تراث كربلاء
صفَحاتٌ مضيئةٌ من التاريخ السياسيِّ لعُلماءِ الدِّينِ في كربَلاء المقدَّسة
التاريخ : 17 / 12 / 2019        عدد المشاهدات : 2140

للفقيه العالم دورٌ كبير في الآفاق الرَّحبة للفكر الإسلامي والأجواء الرَّوحانيّة منها؛ إذ يحرص على رعاية شؤون الحوزة العلمية، ومهمّة التحضير والإعداد لمناهج تدريس الطلَبة في المقدّمات والسطوح وبحث الخارج الذي يقوم بتدريسه والاستمرار عليه يومياً دون انقطاع وخاصةً في حلَقتي الفقه والأصول، وفوق هذا وذاك لا بدَّ له من دورٍ قياديٍّ بارزٍ في المعترك السّياسي بإصدار الفتاوى والبيانات  للنصح والتوجيه والتوضيح لما في بعض الأمور من تحوّلات وتغيّرات، فدور الحوزة العلمية دورٌ مهمٌّ، وهي صاحبة القرارات في كل الحوادث السّياسية التي مرّت على مدينة كربلاء كحادثة الوهابيين، وحادثة المناخور، وحادثة نجيب باشا، وثورة العشـرين التي كان لفتوى الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي الدور الأكبر فيها.

وقد ضحّى العلماء والمراجع الكبار طوال قرون، وبذلوا كلَّ ما في وسعهم لإيصال المجتمع إلى أعلى مرتبةٍ من العلم والمعرفة والجد لإعلاء كلمة (لا إله إلّا الله) ولعزّة الدين والمذهب الإسلامي. فقد ضحّوا من أجل توعية الجماهير التي بفعل تكالب الأعداء وعوادي الدّهر كادت أن تنسلخَ عن هويتها الإسلامية الحقّة.

لقد أنجبت المدارس الدينيّة في مدينة كربلاء المقدّسة رجالاً حملوا راية الجهاد والزَّعامة فعظمت شوكتهم وقويَ أمرهم واشتدّت  شكيمتهم، فجمعوا الدين والدنيا معاً لما عُرف عنهم من ذكاء حادّ وحكمةٍ وسداد ولا يخافون في اللهِ لومةَ لائم. ومن المزايا التي اختصّت بها حوزة كربلاء على الصعيد السياسي هي أنّ البعض من رجال الحوزة العلميّة كانوا قادة، فالسيد محمد المجاهد الطباطبائي قاد الجهاد ضد الرّوس، وبعدها شدّ الرحال إلى إيران في موكب مهيب سنة 1241هـ وكان في استقباله شاه إيران، ولكن الغَلَبة في المعركة كانت للروس، فرجع السيد الطباطبائي إلى قزوين، وتوفي هناك سنة 1242هـ وحُمل نعشه إلى كربلاء، فدُفن فيها.

كما كان للمرجعيّة دور وطني مميّز في ثورة العشرين الخالدة، فقد تزعّم الشيخ محمد تقي الشيرازي-قدس سره- الحركة الوطنية ضد الاحتلال الإنكليزي، وأصدر فتواه الشهيرة وأمر بالدفاع عن الأرض والعرض، ممّا أثار الحماس في نفوس الوطنيّين الكربلائيّين فتظاهر أكثر من ألفين من أهالي المدينة، وعقد الأهالي اجتماعاً عاماً عند ضريح الإمام الحسين –عليه السلام- ألقيت فيه الخطب الحماسية وجمعت فيه التبرّعات،  ومن هنا أصبح القائد الروحي للثورة.

   وكذلك ظهر في كربلاء كتاب للسيد هبة الدين الشهرستاني، وفي هذا الظرف اتّحدت الكلمة ووقف أبناء البلد الواحد تحت سقف (لا إله إلّا الله محمّد رسول الله) وإذ قُرئت فتوى الإمام الشيرازي وكتاب السيد هبة الدين الشهرستاني في الاجتماع نهض الشيخ ضاري قائلاً: ((إنّي عربيٌ و وطنيٌ وعراقي، وها أنا أعاهدُ اللهَ وأنت عليَّ من الشاهدين بأن أبذلَ كلَّ ما لديَّ من نفسٍ ونفيس في سبيل مصلحة بلادي ضد الطامعين، ولينعم العلماءُ وأخواني الزعماءُ عيناً. وها أنني باسم الله سأعمل وستسمعون أعمالي وترون تلك الأعمال التي سوف يرضاها الله وترضونها أنتم إن شاء الله)).

   وشارك في الثورة نفسها رعيلٌ آخر من العلماء الكربلائيّين منهم السيد حسين القزويني والسيّد محمد علي الطباطبائي. وكان لهم دور مشرِّف في إسناد الثورة ودعمها بالغالي والنفيس، وقد ألحقوا بالإنكليز خسائرَ باهظة، دوّنها المؤرخون الذين أرّخوا لثورة العشـرين الكبرى عام 1920م، حيث هبَّ العراقيون وبدأوا ثورتهم المسلّحة ضدّ قوى البغي والظُّلم وأطلقوا الرصاصة الأولى من قلب الفرات الأوسط، وكانت كربلاء مهد الثورة، ثم تبعهم أبناء سائر المدن العراقية وعشائرها.

   وهكذا كانت لمدينة كربلاء ورجالها الأشاوس نشاطات وطنية كثيرة، اعتُقِل على إثرها عدد من الوطنيّين الأحرار وسجنوا في الحلّة وأُبعِدوا ونُفوا إلى جزيرة هنجام، كما كانت لهم مواقف مشهودة في كل الانتفاضات التي سبقت ثورة العشـرين، أو التي جاءت بعدها، يدفعهم الحزم والعزم، وقوة الإيمان، وصدق النيّة، والحميّة لمعتقدهم والذود عن بلدهم.


وحدة الإعلام


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :