مركز تراث الحلة
الشيخ صالح الكوّاز
التاريخ : 6 / 12 / 2018        عدد المشاهدات : 2136

    في طليعة أفاضل الفيحاء في عصره علماً وأدباً،  باعه طويل في النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان والفقه وعلوم الدين، بالإضافة إلى  تضلّعه في جملة من العلوم الرياضية وغيرها صاحب نفسٍ أبيّة تفيض عفّةً وشرفاً وعزةً وكرماً، مترفّعاً عن الاستجداء بشعره، يسمو بنفسه كما سما بشعره، كان يرى أنّ عرائس أفكاره الأبكار لا تزفّ إلاّ لأهل البيت الأطهار (عليهم السّلام)، وإذا تعدّى ذلك فإلى بعض الأُسر العريقة بالعلم والأدب، الشهيرة بالمجد والشرف، كآل القزويني في الحلّة، وآل كاشف الغطاء في النجف الأشرف، وآل كبّة في بغداد، وآل الرشتي في كربلاء وأضرابهم، النسك والورع والتهجّد وإحياء ليالي العبادة، صفات وسمات لازمته حتى نهاية المطاف، إنه شيخ أدباء عصره والمقدّم عند أعاظم مصره الشيخ صالح الكوّاز الحليّ رحمه الله.

      شاعرية الكوّاز، قامة شامخة لا تدانى، ولا يُغفل عن ريادته الأدب الحليّ وتميّز شعره عمّن سواه، فهذا صاحب (ديوان الكوّاز، ج2،ص7) يذكر في مقدمة الديوان أنّ" الشاعر الكبير السيد حيدر الحليّ رحمه الله يصفه بأنه " أطول الشعراء باعاً في الشعر، وأثقبهم فكراً في انتقاء لآلئ النظم والنثر، خطيب مجمعة الأدباء، والمشار إليه بالتفضيل على سائرالشعراء .. فريد الدهر، وواحد العصر،الذي سجدت لعظيم بلاغته جباه أقلامه، واعترفت بفصاحته فضلاء عصره وأيامه، وفاق بترصيع نظامه وتطريز كلامه أرباب الأدب من ذوي الرتب، ومن رأيه في النظم على كلّ رأي، أديب راجح الشيخ صالح الحلّي"، كذلك ذكرها  الشيخ اليعقوبي في (البابليات) نقلاً عن كتاب (دمية القصر) المخطوط للسيد حيدر الحلي.

     يعدّ الشيخ صالح الكوّاز من أبرز شعراء عصره وأدباء دهره، له من سموّ المكانة وعلوّ الرتبة ما شهدت به محافل التأبين التي أُقيمت لرحيله – طيّب الله ثراه -  حيث أُقيم مجلس العزاء والفاتحة له من قبل العلاّمة الكبير السيد مهدي القزويني (قدّس سرّه الشريف) ، وقد رثاه نخبة من فطاحل شعراء عصره، في مقدّمتهم الشاعر المشهور السيد حيدر الحلّي و الشيخ محمّد الملا بأبيات رائعة أوردها صاحب (موسوعة أدب الطف، ج7، ص215) ووردت في (ديوان السيد حيدر الحلي ، ج2،ص201).

     ويذكر محقّق (ديوان الكوّاز ، ج،ص2)  في مقدمته أنّ الشاعر الكربلائي القديرالحاج (جواد بذقت) سُئل عن أشعر مَنْ رثى الإمام الحسين بن علي (صلوات الله عليه) فقال: أشعرهم مَنْ شبّه (الحسين) عليه السلام بنبيَّينِ من أولي العزم في بيت واحد، وهو الكوّاز بقوله:

                كأنّ جسمكَ موسى مُذ هوى صعِقاً                     وإنّ رأسكَ روحُ اللّهِ مُذ رُفِعا

وقد ذاع شعره، واشتهر ذكره، وتناقل المنشدون والخطباء في المحافل الحسينية قصائده في أهل البيت (عليهم السّلام)، فكانت تُتلى وتُنشد في شتى المناسبات، وفي أُمّهات المدن العراقية، كبغداد والحلّة، والنجف الأشرف وكربلاء والبصرة.

ولعلّ الاجماع مطبقٌ على أنّ زعامة المدرسة الحلية أواسط القرن الثالث عشر، كان لشيخها (الكوّاز)، فأسّس مدرسته الخاصّة في قبال مدرسة عبد الغفار الأخرس البغدادية، ومدرسة عبد الباقي العمري الموصلية، أخضع الشيخ صالح الكوّاز القضية التاريخية لقصيدته، وقادها إلى حيث يتنقل في أغراضه الشعرية، وهناك حادثة جرت  قد أوردها الشيخ محمد علي اليعقوبي (رحمه الله) وردت في مقدمة ديوان الكوّاز، تدلّك على قوّة الحضور الشعريّ للكوّاز، وتسيّده حلبة المواجهة الأدبية، وإبطال زيف الريادة في الشعر التي اصطنعتها السلطة العثمانية، من خلال هالة إعلامية لشعراء دون قامة الكوّاز الحليّ، فقال متحمّساً ومعرِّضاً بشاعرَي بغداد والموصل:

وشاعر ملا الأوراق قافيةً                    ويحسب الشعر في تسويد أوراقِ

وظلّ يزري على شعري لقلّته                    وتلك لسعة جهلٍ ما لها راقِ

أما رأى لا رأى جمّ الكواكب لا              تغني عن البدر في إهداء إشراقِ

ولو رآني بعين من قذى حسدٍ                          باتت خليّة أجفانٍ وآماقِ

لقال لي وبديع القول يشهد لي                         بمذودٍ ببليغ النظم نَطّاقِ

أخرست أخرس بغداد وناطقَها             وما تركتَ لباقي الشعر من باقِ

ونقل سماحة العلّامة السيد محمد القزويني (طاب ثراه) أنّه صادف بعد ذلك أن اجتمع شيخنا الكوّاز بالشاعر عبد الغفّار الأخرس المشار إليه بهذا البيت في سنة 1285هـ، وهي السنة التي قُتل فيها السيد رضا الرفيعي والد السيد جواد - سادن الروضة الحيدرية – حيث أمرت الحكومة العثمانية بنفي جماعة من رؤساء النجف الأشرف إلى الحلّة، واتّفق في أثناء ذلك قدوم الشاعر السيد عبد الغفّار الأخرس البغداديّ إلى الفيحاء، فاجتمع في نادي أحد زعماء الشمرت بأحد ظرفاء الحلّة ممّن تجمعه وإيّاه صلة الأدب، وكان من بين الحاضرين شاعرنا الكوّاز - فقال الأخرس البغدادي لصاحبه: أرني (كوّازكم) الذي يقول (أخرست أخرس البغداد وناطقها إلخ). فقال: ها هو ذا جليسك. فلمّا رأى (الأخرس) هيئته استصغره وأعرض عنه، وقال: إنّه ليس هذا. فقال له صاحبه: أيّها السيد إنّه هو، هو بعينه، والمرء مخبوء تحت طيّ لسانه لا طيلسانه. فعند ذلك عاتب الأخرس شاعرنا الكوّاز على ذلك البيت، فقال الكوّاز للأخرس: أما علمت أنّ بمقدار علوّ همّة الشاعر تكون حماسته، وإليك فاسمع الآن ما أقوله وأنشد:

فلو إنّ لبسي قدرَ نفسي لأصبحت                   تُحاكُ ثيابي من جناحِ الملائكِ

ولو كانَ فيما أستحقُ مجالسي                     نصبنَ على هامِ السماكِ أرائكي

ولمّا بلغ عبد الباقي العمري الموصلي قول الكوّاز (وما تركتُ لباقي الشعرِ من باقِ)، قال العمري: إذن أين أضع الباقيات الصالحات؟

ويروى أنّ الكوّاز جاء إلى بغداد ونزل ضيفاً على الحاج عيسى والحاج أحمد آل شالجي موسى من تجار وأدباء بغداد، فأرادوا زيارة عبد الباقي العمري فذهب معهما الكوّاز على تنكّره وجلس في طرف المجلس، فقال عبد الباقي: حضرني شطر وهو: (قيل لي مَنْ سما سماء المعالي)، وجعل يردّده ولا يحضره عجز له، فلمّا طال ذلك على الكوّاز قال: (قلت عيسى سما السماء وأحمد)، فقال عبد الباقي: أنتَ الكوّاز بلا شك، وقرّبه وأدناه وكساه، رحم الله الشيخ صالحاً الكوّاز، وألبسه جلابيب رضوانه وغفرانه، وحشره مع أوليائه الأعاظم محمدٍ وآله الطاهرين.


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :