مركز تراث الحلة
محمد مهدي البصير
التاريخ : 27 / 5 / 2016        عدد المشاهدات : 5597

                       محمد مهدي البصير ...

                                            خطيب وشاعر ثورة العشرين

    ولد الدكتور محمد مهدي البصير عام 1895م -1313هـ في مدينة الحلّة القديمة في محلة الطاق، وهو ينتمي إلي أسرة ينحدر نسبها إلي قبيلة کلاب، التي توارث أفرادها الخطابة على المنبر الحسيني، وهو إبن الشيخ محمد بن عبد الحسين بن شهاب الدين، والناس تسمي أسرته في الحلة (شيخ شهيب)، والشيخ شهيب واعظ حسيني معروف في حقبته توفي سنة 1311هـ .

      أصيب بمرض الجدري وهو في الخامسة من عمره، فکفّ بصره، ولقّب بـ (البصير) من باب تسمية الشيء بضده، بسبب العمى الذي أُصيب به، وعرف بهذا اللقب دون لقب عائلته، ومما يُروى عنه في هذا المجال أنه زار الدكتور والأديب المصري المعروف طه حسين في القاهرة، وقد كان قريب الشبه به في كل شيء في العمر والأدب والشعر وحتى الدراسة في فرنسا، وقد كان صديقاً حميماً له، وحين استقبله وسأله عن صحته قال البصير له: (هل تعلم بأن هذه الجلسة ينقصها الشاعر أبي العلاء المعري فهو تماماً يكملنا). والمعروف أن المعري قد أصيب وهو طفل بالجدري وفقد بصره تماماً كطه حسين والبصير.

    تعلم البصير العلوم الشرعية ومبادئ العربية في بيوت أسرته، حيث كان جده الشيخ عبد الحسين الشهيب يحفظه الشعر ويكافئه بقرش مقابل كل عشرة أبيات يحفظها من شعر السيد حيدر الحلي، ثم الكُتّاب الذي يديره اخوه الشيخ عبد الحسين والشيخ عبد الرزاق السعيد (رزوقي)، ودرس البصير على يد أساتذة أكفاء منهم:  الشيخ حسن البصري، والشاعر أمين الحمزاوي، والشيخ أمين عوض الذي به عرف البصير شعر مهيار الديلمي، ومنهم الشاعر عبد المطلب الحلي، لكن أهم من أّثّر فيه هو السيد محمد القزويني، الذي درس على يده جانبا من الحديث والفقه، ثم أخذ الكثير من علمه وأدبه وصفاته، وصحبه نحو ثلاث سنين، حتى وفاته سنة ١٣٣٥ هـ ـ ١٩١٦ م ، ولا ننسى المجالس الأدبية التي كان يحضرها ومنها: مجالس شهر رمضان، وأقربها إلى نفسه ثلاثة مجالس هي: مجلس حبيب بك زعيم آل عبد الجليل، ومجلس آل السيد حيدر، ومجلس السيد حسن القزويني .

     اتصل البصير بعدد كبير من الشعراء والأدباء، وقرأ دواوين المتنبي ومهيار والشريف الرضي وأبي العلاء المعري، حتى نظم الشعر، ولم يتجاوز الرابعة عشر من عمره وكان أهم الشعراء الذين استفاد منهم السيد حيدر الحلي) ت١٨٣١م) الذي يعتبره البصير احد أساتذته ، وارتقى المنبر للخطابة، ولبس العمة رمزاً لتقاليد الأسرة في ممارسة الشعائر الدينية وهو ابن السابعة عشر وكان يعين والده في قراءة المقدمة وفي خطابة المنبر الحسيني. وتنقل في مجالس العزاء الحسينية، وصار خطيبًا معروفًا، كما أراد له والده.

   وكان له أيضا نشاطه السياسي الخاص به ، في هذه المرحلة من حياته والتي لم تنفصل عن مرحلة النشوء والدراسة بل مكمّلة لها، فدراسته العلمية والدينية في بيوتات الحلة وكتاتيبها نمّى فيه حب الوطن والدفاع عن مقدساته مضحياً بالغالي والنفيس من أجل الإسلام والعراق، ولكنّ هذه الخصلة لم تظهر إلا عند الحاجة، للتعبير عن مظلومية أبناء جلدته الناتج عن تردي الأوضاع الإقتصادية والصحية بسبب فساد الولاة العثمانيين وعدم اهتمامهم إلا بجباية الضرائب وسرقة موارد البلاد المادية والبشرية، حتى أنه نظم قصيدة (أحرية أم عبودية ؟) في ذم سياسات الدولة العثمانية:

     وكم سلبوا مالاً له بسطوا يدا                على الغصب ما ابقت لذي جدة وفرا

    وكم نصبوا للأبرياء مشانقا                   وكم كبّلوا حرا وكم ذعروا خدرا

    ومن ساسَ في قتل البريء ونفيه فما رام إلا في حكومته شرا

  ولكن بعد الاحتلال البريطاني ظهرت هذه الروح الوطنية بشكل واضح وجلي، ففي شباط من عام 1919 م تألفت في العراق جمعية سرية سياسية تدعى (جمعية حرس الاستقلال) كان من أهدافها استقلال العراق ومساندة الملك، وتوحيد كلمة العراقيين على اختلاف مللهم ونحلهم وطوائفهم، وطلِب من البصير أن يؤسس لها فرعاً في مدينته (الحلة)، فأسس الفرع وكان أمين سره، أما رئيس الفرع فهو السيد علاء الدين القزويني.

    وقد استمر البصير في عمله السياسي حتى قامت ثورة العراق الكبرى عام 1920م ضد الإنكليز فكرّس أدبه وشعره وخطابته لتأجيج حماسة الجماهير الثائرة، وقد ترك تأثيراً مباشراً فيها وصارت كلماته تدوي وتسمع، وكان دوره فيها بارزا، وصار يسمى بشاعر ثورة العشرين وخطيبها.

وله قصيدة يقول فيها:

     إن ضاق يا وطني عليّ فضاكا                 فلتتسع بي للأمــام خطاكا

     هب لي بربك موتة تختارها                   يا موطني أولست من ابناكا؟

     فمتى بحبك للمشانق أرتقي                    كي ترتقي بعدي عروش علاكا؟

تتويج الملك فيصل على العرش

    يعد البصير أول شاعر عراقي دعا إلى أن تكون الثورة على المحتل البريطاني ثورة مسلحة، لا مجرد خطب على المنابر وأهازيج وخطب في الجوامع، بل كان من الدعاة الرئيسين الذين اشعلوا ثورة العشرين، وقدم إلى بغداد في عام 1920م حيث کانت الثورة العراقية على أشدّها، فشارك فيها مشارکة فاعلة من خلال الخطب والقصائد الحماسية في المناسبات الاجتماعية، والدينية، حتى اشتهر وسارت أشعاره وخطبه على الألسن، وحتى لقبته الجماهير بخطيب ثورة العشرين ،وقد مثل العراقيين لعرض مطالبهم أمام الملك فيصل الأول بعد تتويجه بيوم واحد وخطب ثائراً: (نقبل بك.. على أن .. ثم نقبل بك .. بعد أن… ) وكان الحاكم البريطاني يستمع بتوجّع وغيظ ، بينما أخذ البصير يصعّد من نبرته، وما أن خرج البصير من القصر حتى أصدر الحاكم البريطاني امراً فورياً باعتقاله ووضع في سجن إنفرادي كتب فيه البصير واحدة من أروع قصائده الثورية، وقد حرّر في جريدة الإستقلال وغيرها، فحکم عليه بالسجن تسعة أشهر سنة 1921م، وخرج من السجن في العام نفسه ليواصل کفاحه الوطني، فنُفي إلى جزيرة هنجام في الخليج العربي عام 1922م، وعاد إلى بغداد بعد تسعة شهور.

المظاهرات ضد الإحتلال البريطاني

   عُين استاذاً لأصول الفقه الجعفري بجامعة أهل البيت (عليهم السلام)، ثم استاذاً لتدريس الأدب العربي بها 1925م - 1345 هـ، وفي سنة 1930م - 1350هـ أرسل في بعثة دراسية إلى مصر، ثم إلى فرنسا في السنة التالية فحصل علي شهادة الدبلوم في الدراسات الفرنسية من جامعة مونبيليه سنة 1932، ونال شهادة الدکتوراه في نفس الجامعة في الأدب الفرنسي عام 1937، وکان موضوع أطروحته حول الشاعر الفرنسي بيير کورناي (1606-1684م) المعروف بشعره التمثيلي الحماسي.

   عاد البصير إلي بغداد سنة 1938م وعيّن في السنة نفسها أستاذاً في دار المعلّمين العالية، وواصل التدريس فيها أکثر من عشرين عاماً حتي أحُيل على التقاعد عام 1379هـ - 1959م.

    عمل استاذا في الجامعة و تخرج على يديه ثلة من خيرة الأدباء والمفكرين واللغويين أمثال: الدكتور علي الزبيدي، والدكتور علي جواد الطاهر، والدكتور عناد غزوان، والدكتور صلاح خالص، والدكتور جلال الخياط.

    كان محمد مهدي البصير شاعراً مطبوعاً ، نظم على الطريقة التقليدية المدائح والمراثي والتهاني والأخوانيات، وقد تميّزت أشعاره ببساطتها وسلاستها وخلوّها من التعقيد والغموض، وبموسيقاها العذبة الرنّانة نظراً إلى أغراضها الثورية الحماسية، وکلماتها المؤثّرة، وقد إستطاع البصير أن يتقمّص روح الشعب العراقي فترة من الزمان في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حتى غدا لسانه الناطق في جانبه الثوري المنتفض ضد الإحتلال، فتحوّلت أشعاره إلى جزء من تأريخ العراق وثورته .

    للبصير، بالإضافة إلى ذلك، شعر رائق لطيف في الموضوعات الإجتماعية ،والوجدانية، والوصفيّة، لا تقلّ روعة عن أشعاره الوطنية، وله العديد من الآثار والمؤلّفات الشعرية والنثرية منها مجموعة شعرية صغيرة باسم« الشذرات » 1922م، المختصر وهو مجموعة من الشعر والنثر 1922، النفثات 1925، دولة الدخلاء 1925، بعث الشعر الجاهلي 1939، نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر 1946، و (عصر القرآن) 1947،الموشح في الأندلس وفي المغرب 1948، في الأدب العباسي 1949، البرکان وهو ديوان شعر ضم قصائده السياسية 1959، تاريخ القضية العراقية 1924، شعر كورني الغنائي (الأطروحة التي تقدم بها لنيل شهادة الدكتوراه) 1937، خطرات جـزء واحد  1953، سوانح (خطب ومقالات ومحاضرات) 1967 ، «المجموعة الشعرية الکاملة» سنة 1977م، کما نقل عن الفرنسية إلى العربية کتاب «أميل» لروسو، «وجريمة سلفستر بونار» لأناتول فرانس .

      توفّي الشاعر محمد مهدي البصير في بغداد فجر يوم السبت في الثالث من شوال سنة1394هـ - 19 تشرين الاول 1974م ، ووري الثرى في مدينة النجف الأشرف، واقيم له حفل تأبيني، ورثاه الكثير من الشعراء ، ومن الأبيات التي قيلت في رثائه:

                                               

           وكان شعرك بركانا له حمم            وكان عزمك اعصارا له ثأر 


مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :