مركز تراث كربلاء
من تاريخ الحركة الفكرية والعلمية في كربلاء
التاريخ : 19 / 7 / 2018        عدد المشاهدات : 968

الحلقة الاولى 

على الرغم من أن كربلاء مدينة قديمة النشأة فأديمها كان يضم عدداً من القبائل العربية ، لاسيما قبيلة بني أسد ، إلا أنها لم تشهد بدايات الحركة العلمية والأدبية إلا في أواسط القرن الثالث للهجرة -التاسع للميلاد ، وسبب ذلك يعود الى أن خلفاء بني أمية ( 41ـ132هـ/661ـ749هـ ) حاولوا قدر استطاعتهم محو ذكرها لما لها من اثر في نفوس المسلمين ، فبعدها السياسي والديني والفكري يعود إلى سنة (61هـ/680م) ، على أن هذا الأمر لا يقتصر على دولة بني أمية فقط بل تعداه إلى دولة بني العباس ( 132ـ656هـ/749ـ1258م ) التي حاولت هي الأخـرى طـمس معالم المدينة الدينية والفكـرية ، فاتخـذوا سياسة قاسية بالنسبة للشيعـة العلـويين ، وغــالى فـي هـذا السلـوك المتوكل العباسي (232-247هـ/846-861م) ، الذي أرهب أهلها وزوارها وقاصديها بأبشع الوسائل ، لكن كل هذا لم يمنع من أن تأخذ كربلاء مداها في الحياة الفكرية والعلمية والأدبية على حد سواء .  محمد بن مكي العاملي (ت 786هـ) ، الدروس الشرعية ، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، ط1 ( قم : 1991م ) ج1 ، ص47 .

        وبواكيرها كانت منـذ أن حلَ الإمـام الصادق جعفر بن محـمد (عليه السلام ) ( ت 145هـ/762م ) فيها سنة ( 144هـ/761م ) في زمن أبي جعفر المنصور العباسي (136-158هـ/753-774م)  وحل معه فيها جماعة من أصحابه وأهل الحجاز فازدلفت إليه الشيعة ورواد العلم من أماكن مختلفة يأخذون منه العلم فكان مجلسه أول مجلس علم يعقد في كربلاء ، وبعد أن رحل الإمام الصادق (عليه السلام ) من كربلاء اتخذ الشيعة مجلسه مكان درس لهم ، وموقعه جنوب نهر العلقمي في داره التي اتخذها حلقة للدرس ، وكذا كان له (عليه السلام )  في أروقة الروضة الحسينية البسيطة آنذاك مجلس درس عقدت فيه حلقات العلم .

ولقرب كربلاء المقدسة من بغداد مركز الخلافة اعتمد الإمام الصادق(عليه السلام ) الكتمان والحيطة في إلقاء الدرس ، وجعل عدد من طلبة العلم تشد الرحال إليها ، لتغدوا قاعدة للفكر الامامي فيما بعد ، وفعلاً فان الخليفة المنصور خاف من أن يفتتن به الناس من إقبال العلماء واحتفائهم وإكرامهم به وبمجلس درسه في كربلاء و الكوفة ، فبعث إلى أبي حنيفة النعمان (ت150هـ/767م) يطلب منه مساعدته في إحراج الإمام الصادق(عليه السلام ) بالأسئلة والحجج الفقهية ليقلل من هيبته العلمية في أعين الناس ، ومن ثم طمس معالم مدينة كربلاء العلمية الناهضة من جهة ، ومن جهة أخرى ضرب مركز الكوفة الفكري ، لان وجود الصادق(عليه السلام ) في الكوفة كان أوثق منه في كربلاء المقدسة، بل كانت الكوفة مركزه العلمي الثاني بعد المدينة المنورة ، يقول الذهبي :(( لما أقدمه المنصور الحيرة ، بعث إلي فقال : يا أبا حنيفة إن الناس قد فتنوا لجعفر بن محمد فهيئ له من مسائلك الصعاب ، فهيأت له أربعين مسألة ، ثم أتيت أبا جعفر المنصور ، وجعفر [ يعني الإمام الصادق عليه السلام ] جالس عن يمينه ، فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلمت فأذن لي فجلست لم التفت إلى جعفر (عليه السلام) فقال : يا أبا عبد الله تعرف هذا ؟ فقال : نعم هذا أبو حنيفة ، ثم اتبعها : قد أتانا ثم قال يا أبا حنيفة هات من مسائلك تسأل أبا عبد الله فابتدأت أسأله فكان يقول في المسألة : انتم تقول فيها كذا وكذا وأهل المدينة يقول كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا ، فربما تابعنا ، وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعه ، حتى أتيت على أربعين مسألة ما اخرم منها مسألة)) .الذهبي سير أعلام النبلاء ، ج6 ، ص258 . ، وفي حقيقة الأمر أن مدة تواجد الإمام الصادق (عليه السلام ) لم تؤرخ بشكل جيد من قبل المؤرخين ، ما خلا بعض الإشارات التي ذَكرت مجلس درسه في كربلاء الذي ذكرناه ، على العكس من مدرسته الفكرية العتيدة في الكوفة ، فصفحات المصادر ملئا بأسماء العديد من جهابذة العلم الذين تتلمذوا عليه (عليه السلام ) ، لكن لا غرو أن للإمام الصادق (عليه السلام ) الفضل في إرساء دعائم مدرسة كربلاء العلمية لتغدوا فيما بعد واحدة من مدارس العلم المعروفة ، وقد أسهم من بعده السيد إبراهيم بن محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام ) المعروف بالمجاب ( ت ق 3هـ/9م ) في إبقاء مجلس درس كربلاء ، ثم أولاده وأحفاده من بعد .   

        وهكذا لم تتوقف حركة الوفود إلى كربلاء المقدسة إلا في عهد الخليفة المتوكل العباسي ( 232ـ247هـ/846ـ861م ) الذي شهد عهده تضييق على العلويين وأتباعهم ورغبة جامحة في هدم معالم مدينة كربلاء وطمس آثارها ، ولعلنا نذكر نصاً تاريخياً يظهر فيه بغض الخليفة المتوكل للعلويين وأشياعهم على سبيل المثال لا الحصر ، مفـاده أن الشيخ يعقـوب بن إسحاق المعـروف بابن السكيت ( ت243هـ/857م ) وهو من أكابر نحاة الكوفة ، كان حينذاك مؤدبا لأولاد المتوكل ، فقتله المتوكل بعد أن سأله قائلا : (( يا يعقوب من أحب إليك ؟ أبناي هذان أم الحسن والحسين ؟ فقال والله أن قنبر خادم علي خير منك ومن أبيك ، فأمر الأتراك فسلوا لسانه من قفاه فمات يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة أربع وأربعين ومائتين وعمره ثمانية وخمسون سنة ))الطوسي ، أبي جعفر محمد بن الحسن (ت 460هـ) ، الخلاف ، تحقيق سيد علي الخراساني ، سيد جواد الشهرستاني والشيخ محمد مهدي نجف ، ط. 1 ، مؤسسة النشر الإسلامي ) قم : 1996م ) ج3 ، ص329 . .

        بل إن الطبري ( ت310هـ/922م ) ذكر أن المتوكل  أمر بهدم قبر الحسين بن علي سنة (236هـ/850م ) وهدم من حوله من المنازل والدور وان يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره ،وأن يمنع الناس من إتيانه فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاث بعثنا به إلى المطبق فهرب الناس وامتنعوا من المسير إليه وحرث ذلك الموضع وزرع ما هو إليه . الطبري ، تاريخ الطبري ، ج7 ، ص365 . 

        وعلـى أية حـال فان الحـركة العلـمية في كربلاء بدأت في الحراك من جديد فـي أواخر القرن الثالث للهجرة -التاسع للميلاد على عهد الخليفة العباسي المنتصر (247-248هـ/861-862م) الذي عرف عنه ميله للعلويين ، وتذكر المصادر أن المنتصر كان يحسن الى الشيعة كما يذكر عبد العزيز الدوري : (( إن المنتصر كان يميل إلى الشيعة والى علي )) .تاريخ العصر العباسي الأول ( بيروت : 2006م ) ج4 , ص47 .

لذلك أخذت المدينة منذ ذلك الحين تستقطب بعض أهل الفكر فراحوا يتقاطرون إليها شيئاً فشيئاً وكان العلويون في مقدمة هؤلاء الوافدين،لذلك صـارت المـدينة مـنذ ذلك الحين تستقطب بعض أهل الفكر ، فراحوا يتقاطرون إليها ، ومن لمع اسمه من أهالي كربلاء في هذه الإثناء الفقيه أبو القاسم حمـيد بـن زياد بـن حماد النينوي ( ت310هـ/922م ) وهو الذي يعد باعث الحركة العلمية فيها في هذه المدة وله من التصنيف ( الجامع من أنواع البشـر ) و( الخمس ) و ( الدعاء ) و ( النوادر ) و ( فضل العلم والعلماء ) وغيرها .رجال النجاشي ، ص132 .

 

 


وحدة الاعلام


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :