رمضان بالتحريك هو الشهر التاسع من الشهور القمرية بين شعبان وشوال سمي به لأن وصفه وافق الرمض واسمه من أسماء الله تعالى (دائرة المعارف،محمد حسين بن سليمان الاعلمي ج 18 ص 278 ) .
يتسم هذا الشهر بالطابع الديني والفولكلوري المتميز في مدينة كربلاء المقدسة ونحن لا نهدف في هذه السطور غير ابراز معالم صورته للافادة والاستمتاع ، فهو شهر الصيام والقيام والاطعام والتسبيح والمروءة والفتوة وقيل بأن "رمضان في الأيام كالنبي صلى الله عليه واله وسلم في الأنام ".
وقبل شهر رمضان بأيام معدودات يستعد الناس لشراء المواد الغذائية الخاصة بالشهر كالطحين والتمن والدهن والهيل وغيرها وتعرف بـ (الكيل) ويزداد عليها الشراء والطلب في رمضان ، والى ذلك يُضرب المثل المعروف (چد الدهر واكله ابشهر) وقد تكون الحاجات التقليدية اليومية لايام شهر رمضان ولياليه قد وصلت الى حوانيت العطارين والبقالين ، فتنتعش حركة السوق في الأيام الأخيرة من شهر شعبان انتعاشاً يخالف الأيام الأخرى . وفي هذه الايام بالذات كانت تسمع من على مآذن الروضتين الحسينية والعباسية عبارات تهليلية للسيد حسن الجهرمي والشيخ جواد المؤذن والسيد أمين يرحبون بمقدم الشهر بعد اذان المغرب وأذان الفجر ومنها (مرحباً بك يا شهر رمضان مرحباً بك يا شهر الطاعة والغفران .. مرحباً يا شهر الخير والبركة ... الخ) .
وهناك عادة متوارثة تقوم بها معظم العوائل الكربلائية وهي (التسابيگ) أي الصوم ليوم واحد أو ثلاثة أيام في أواخر شهر شعبان استعداداً للشهر المبارك . وفي مساء يوم 30 شعبان يصعد الناس على سطوح المنازل والمساجد والمرتفعات العالية لمراقبة هلال رمضان ، وبعد التأكد من ظهوره يعلنون البشرى ببدء الصوم . وفي الليالي الاولى من هذا الشهر ترى الباعة على امتداد الأرصفة والاماكن العامة يعرضون المعروضات (البسطات) وفي مقدمتهم باعة البقلاوة والزلابية وشعر البنات والباميا السكرية ومَنَّ السما والحلقوم وكعب الغزال والملبّس والرگاك وتاج الملك والمحلّبي .
وتعد الموائد وعليها صحون الحلويات بأشكالها المختلفة وصحون المحلّبي على امتداد أرصفة الشوارع او دكات الدكاكين المغلقة ، وقد تكون في جانب بعض المقاهي لانها تغلق في النهار .
وقبيل وقت السحور بفترة أمدها ساعة واحدة أو أكثر ، يطوف (المسحراتي) أي الطبال ليدق على صفيحة فارغة (تنكه) منبهاً النائمين وموقظاً اياهم ، ثم تطورت هذه العملية بالضرب على الطبل بدلاً من الصفيحة ، وذلك استعداداً للسحور في كل ليلة من ليالي رمضان ، وهذا التقليد من العادات القديمة المتوارثة حتى يومنا هذا ، وضربات المسحراتي بطبله يدوي في سكون الليل منادياً (اكعدوا يالصايمين اكعدوا اتسحروا) وفي هذا الوقت نسمع التمجيد من على المآذن ، وهو دعاء يتلوه المؤذن بأطوار مختلفة والحان شجية مؤثرة داعياً ومذكراً ومحرضاً على السحور ، فتستعد النسوة لطبخ التمن والمرق ، ومنهن من اعدت طبخ الطعام منذ الافطار اختصاراً للوقت .
وبعد أن ينهض افراد العائلة جميعاً ـ عدا الاطفال الذين لم يبلغوا الحلم ـ يجلسون حول المائدة وبعدها يقرأون دعاء البهاء وأوله : (اللهم اني اسألك من بهائك بابهاه) والأدعية الخاصة بالسحور الأخرى . وقبيل اذان الفجر بعشرين دقيقة ، نسمع مناجاة المؤذن ، وكانت تؤلف ابياتاً من القريض خصيصاً لهذه المناسبة ، وهي :
اشـرب المـاء هنيئاً يا محب واجر دمع العين حزناً وانتحب
لحسين السبط في جنب الفرات مات عطشـاناً شهيدًا محتسب
اشرب الماء هنيئاً انه ماء مباح
اشـرب المـاء هنيئـاً بـسـلام واذكـر المقـتـول من جور اللئـام
سبط طه المصطفـى خير الأنـام قد بقـى ثـاوٍ علـى وجـه الـرغام
ايها المذنب تب لله ان شئت النجاة حيث يعطيك جنان الخلد أعلى الدرجات
فهنيئاً لك يا صائم نلت الحسنـات يتقبل منك هـذا الصـوم رب الكائنـات
ثم يكررها عدة مرات ، أو يتلو غير هذه الأبيات ، ثم يسرع أفراد العائلة الى شرب الماء قبل أن يعلن عن الامساك ، وقبل أذان الفجر بدقائق يمتنع الجميع عن تناول الطعام والشراب ، بينما نسمع المؤذن ينادي : (امساك .. امساك .. غفر الله لكم يا صائمين) . وهنا يشرع المؤذن بالاذان ، وينهض الصائمون لتأدية صلاة الصبح سواء في البيت أو في مسجد قريب من الدار ، كما يقصد البعض احدى الروضتين للحصول على الأجر والثواب ، وخاصة الذين لا يستطيعون النوم في ذلك الوقت ، ومنهم من يخرج الى عمله مبكراً .
تصطف على مائدة الافطار قبل أذان المغرب بربع ساعة الأكلات الشعبية اضافة الى ذلك فهنالك بعض الشرابت منها شربت تمر هند ، وشربت ماء الرمان وشربت السكنجبيل، وعندما يبدأ المؤذن بالأذان ، يشرع الصائم بالفطور أولاً بشرب ماءٍ ساخن يسمى (قنداغ) ، وقليل من الحساء (الشوربه) أو قليل من التمر . وقبل تناول أي نوع من الأطعمة يقرأ دعاء الافطار المشهور (اللهم لك صمت وعلى رزقك افطرت وعليك توكلت لصوم غد نويت) . ومن الظواهر التي كانت في كربلاء قديما ان التمن والمرق لا يؤكلان وقت الافطار ، وان اكلهما وقت السحور . وبعض الناس يتناولون فطوراً خفيفاً ويجعلون السحور الوجبة الرئيسية .
وهناك يقرأ الصائم دعاء (الافتتاح) ويطلق على تسميته أيضا دعاء العشاء ، حيث يقرأ في كل ليلة في المساجد والمشاهد المقدسة عن طريق مكبرات الصوت في الوقت الحاضر وأوله (اللهم اني افتتح الثناء بحمدك ...) كما يتلى القرآن الكريم أيضاً . وتظل المساجد الصغيرة والكبيرة في رمضان مفتوحة الى السحور ، وتضاء داخلها كما تضاء المآذن أيضاً . وفي أماسي هذا الشهر تعقد مجالس الوعظ والارشاد ، وتفتح أبواب الدواوين ، ويزداد التزاور ، فالزائرون لم يكتفوا بزيارة دواوين محلاتهم في حاراتهم فحسب ، بل يتزاورون من بيت الى بيت .
وقد جرت العادة في تلك الايام ان يتبادل الأهالي الدعوات على طعام الافطار بغية الحصول على الأجر والثواب . أما أهل البساتين فانّ الغالب منهم يتبادلون الزيارات من بستان الى أخرى لزيارة الاقارب والمعارف في المدينة . اما اليوم فقد أخذت تلك العادة تنقرض لأسباب عدة . ومن الناس من يزور الأضرحة المقدسة ثم يعود الى مقر عمله . وتدور في هذه المجالس احاديث وحكايات وقصص وقضايا الساعة والمجتمع . فهناك مجالس تتكلم في الأدب والفكر وأخرى في الدين والتاريخ وفي شؤون الحياة المختلفة ، ومحور الحديث في كل هذه المجالس أهمية الصوم وأبعاده وفوائده ، فهو من الناحية الاجتماعية يعود الصائم على ترك العادات الضارة التي تفكك الاخلاق والمجتمع . فالصائم لا ينظر الى عورات الناس ويتودد الى ذوي القربى ويتصدق على اليتامى وأبناء السبيل ، ويساعد المعوزين ويعطف عليهم ، ويتفقد المرضى والايتام والارامل وغيرها من أنواع البر والصدقات مما يرفه عن الفقير ويدخل السرور الى قلبه . وهذه الواجبات فرضها الاسلام على الصائمين . كما انها تعزز الروابط الاجتماعية بين أفراد الناس ، وبذا تتحقق الوحدة الاجتماعية بالمحبة والمودة وتبادل المنافع .
وهناك مجالس أفراح ومسرات ومجالس للعزاء تقيمها الاسر والبيوتات الكربلائية في الدواوين ، فلا تخلو محلة من المحلات والاماكن المقدسة منها . ومن اشهر تلك المجالس هي التي تعقد في ديوان السادة آل النقيب وديوان السادة آل الرشدي وديوان السيد صالح السيد سليمان آل طعمة وديوان السيد علي الاحمد آل نصر الله وديوان السيد عبد الوهاب آل طعمة حاكم كربلاء وسادن الروضتين وديوان السيد محمد مهدي بحرالعلوم وزير المعارف الأسبق وديوان السيد عبد الحسين الدده وديوان السادة آل طعمة سدنة الروضة الحسينية وديوان السادة آل ضياء الدين سدنة الروضة العباسية وديوان السادة آل ثابت وديوان السيد مصطفى الشروفي آل طعمة نائب سادن الروضة الحسينية وولده السيد سعيد الشروفي . ديوان السيد عبد الحسين السر خدمة آل طعمة مدير الاوقاف وديوان الحاج محمد رشيد الصافي وديوان آل عواد وديوان الحاج علوان الجار الله رئيس عشيرة بني سعد وديوان عشيرة الوزون برئاسة الشيخ عمر العلوان وشقيقه عثمان العلوان وديوان الحاج حسن الشهيب وولده اليشخ محمد والد الوجيه الحاج ابراهيم الشهيب وديوان الشاعر السياسي الحاج عبد المهدي الحافظ وديوان الشيخ طليفح الحسون رئيس عشيرة النصاروه وديوان الشيخ گمر النايف رئيس عشيرة السلالمة وديوان السادة آل الشهرستاني وغيرها . وهناك مجالس للعلماء الأعلام لا تخلو من الفوائد والفرائد هي محافل عامرة بأطرف الاحاديث وامتع المناقشات ، حيث تلقى الخطب الرنانة في فضائل الشهر المبارك .
ومن بين تلك المجالس الكبيرة التي تعقد في المدينة المجلس المقام في ساحة الامام علي (ساحة البلوش قديماً) من قبل سواق سيارات الاجرة ، ومجلس باب قبلة العباس عليه السلام والمجلس المنعقد في الصحن الحسيني والمجلس المنعقد في الصحن العباسي . بالاضافة الى المجالس الادبية التي تعقد في منتديات كربلاء ، وتدور بين روادها الاحاديث الرمضانية الشيقة والقاء الشعر فيها ، حيث ان النوادر النثرية والنكات الشعرية يكون مجالها أوسع وشذاها أضوع .
وتقام مجالس التعزية (القرايات) وهي ذات أعمال صالحة تمهد للناس العمل بموجبها والالتزام بها والغاية منها الحصول على الثواب . وفي المجالس المذكورة أيضاً ينظم الشعر ارتجالاً ويتبارى الشعراء بالمطارحات الشعرية ، فنسمع شعراً مطبوعاً وادباً رقيقاً وعواطف ملتهبة وشعوراً سامياً ، ونلمس نفساً عربية وثابة وروحاً طموحة . وتدور المداعبات والطرف والتندر ويتم تسجيل الحوادث التاريخية والادبية وتتناشد الاشعار الرقيقة وفيها جمام النفس وغذاء الروح ، لما لهذه اللقاءات الفكرية من أثر في التوجيه والاصلاح الذي نحن بأمس الحاجة اليه .
ومن طريف ما حدث ان المرحوم الشيخ موسى الاصفر المتوفى سنة 1289هـ وهو من شعراء كربلاء المعمرين المعروفين بعمق التفكير وسرعة البديهة وكان في مجلس العالم الفاضل السيد علي نقي الطباطبائي النادرة التالية مخاطباً السيد بأبيات يستفتيه بأنه هل يصوم المفلس في رمضان أم لا ؟ فقال :
مسـألة أتعبـنـي حلـهـا وأنت فيها سيـدي أخبرُ
رمضان شهر جاءنا مسرعاً يصومه المفلس أم يفطر ؟
وكان مجلس السيد حاشداً بعلية القوم من الادباء وأهل الفضل يحتضن نخبة صالحة من رجال العلم والادب وغواة الشعر ، وكان من جملة من يرتاده الشيخ محسن الخضري المتوفى سنة 1245هـ فارتجل مجيباً الشيخ موسى نيابة عن السيد قائلاً : رمضان شهر واجب صومه وغير ذات العذر لا يعذر
الصوم امساك وكـفٌ مـن افلس في احـرازه اجـدر
ومن المساجلات الأدبية والطرائف الواردة في شهر رمضان انه كتب بعضهم هذين البيتين الى الخطيب الشاعر السيد جواد الهندي :
تحمل شهر الصوم عنا فأفطرنا فما بالنا عن نيل وصلكم صمنا
وكنا به في عيشـة ذات بهجة وانا لنرجو ان نعـود كمـا كنا
فأجابه السيد جواد :
أأحبابنا تهتم بمـا نحـن اضمرنا وهجتـم لما فـي لبـة القلب اسكنا
فلا تزعمـوا أنا نسينا عهودكـم ومجمعنا للأنس مـذ نحـن افطرنا
ولكنمـا الايـام لازال شـأنهـا تقرب مـا يشجـي وتبعـد ما يهنا
اما وليالي الوصل فالقلب لم يصم ولو اننا والطرف من وصلكم صُمنا
فلا يبعدن الله سـاعات وصلكـم فمهمـا أتانا أمركـم نحـوكم سرنا
نفوز بكم في عيشـة ذات بهـجة وانتم كما كنتـم ونحـن كمـا كنـّا
الحشود المليونية في كربلاء تجدد البيعة لابي الاحرار عليه السلام |
|
صور تراثية لبساتين كربلاء المقدسة 23 / 6 / 2016 |
|
وفد مركز تراث كربلاء يزور جامعة بغداد و الجامعة المستنصرية من اجل إهداءهم العدد الأول/ المجلد الثالث/ للسنة... 11 / 8 / 2016 |
|
شوارع كربلاء 22 / 8 / 2016 |
|
صورة لمرقد ابي الفضل العباس عليه السلام 1 / 4 / 2016 |
|
الندوة الشهرية السابعة عشـرة لمركز تراث كربلاء التي أقيمت في الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة الموافق 22 /7 /... 26 / 7 / 2016 |
|