مركز تراث كربلاء
الاسواق التراثية في كربلاء ..تاريخ وحضارة وعمارة
التاريخ : 22 / 4 / 2018        عدد المشاهدات : 3675

تراث كربلاء - الاسواق 

تُعد الاسواق القديمة في مدينة كربلاء المقدسة أحد أهم الآثار التاريخية التي تدل على مدى عراقة هذه المدينة من ناحية ، ومدى حيويتها وفاعليتها التجارية على مر العصور الإسلامية من ناحية أخرى.

 وتذكر المصادر التاريخية أن نشأة الأسواق التراثية في هذه المدينة المقدسة تعود إلى بداية القرن الثالث الهجري ، وبالتحديد من زمن الخليفة العباسي المأمون. وتُشير تلك المصادر إلى إن أسواق كربلاء كانت في تلك الفترة عامرة تسودها الطمأنينة وتؤمها القوافل. وكان من الزائرين من يؤثر البقاء عند مرقد الإمام الحسين عليه السلام ،ومن يرجع إلى وطنه. وذلك قبل أن يأمر المتوكل بهدم البناء الذي كان يعلو القبر والمباني التي حوله وذلك سنة 236هـ (850م).

 وفي العهد البويهي أنتشرت الأسواق بين المرقدين وذلك بعد ان قام عضد الدولة بإعادة بناء مرقد الإمام الحسين عليه السلام بين سنتي 369 371هـ (980 982م) ، وبناء مرقد العباس عليه السلام  لأول مرة سنة 372هـ (983م) ، وتشييد بيوت واسواق جديدة في المدينة.

 وأشتهرت مدينة كربلاء بأسواقها التاريخية العريقة التي تؤلف بمجموعها وحدة من وحدات المنشأة الأجتماعية ، فهي ترتبط عضوياً بالمراقد المقدسة وتحيط بها. وقسم منها يمتد أمام مداخلها بحيث لا يمكن إلا المرور من خلالها ، مجسدا الترابط بين الجانبين المادي والروحي في حياة المدينة والزائرين ، وكانت بعض الأسواق ممراً للمواكب الحسينية أثناء إقامة الشعائر في المناسبات الدينية وكذلك لمرور المواكب الجنائزية..

 وتوجد إلى جانب الأسواق التراثية الرئيسية أسواق تقليدية أخرى تعتبر محاور تجارية جانبية ترتبط بالأسواق الرئيسية من جهة ، وبالمناطق السكنية من جهة أخرى.

 واشار الكثير من الرحالة والمستشرقين إلى أسواق مدينة كربلاء المقدسة . وقال الرحالة البرتغالي بيدرو تكسيرا من وصفة لأسواق المدينة عند زيارته لها عام 1013هـ (1604م) : (بسبب توافد الزوار وتقاطرهم على المدينة من كل حدب وصوب في مواسم معلومة من السنة أن تنشط فيها حركة البيع والشراء بحيث تحتوي المدينة على جميع المواد الضرورية والبضائع التجارية من بلدان أخرى وعلى اصناف من بضائع محلية والتي تميز الكثير منها بخصائص ومميزات دينية غنية بمواضيع من التقاليد الإسلامية ، ولهذا فإن مدينة كربلاء كانت ملتقى لعددٍ كبير من التجار القادمين من ختلف الأقطار) .

 وأشار تكسيرا أيضاً إلى عمارة أسواق كربلاء وقال: إنها مبنية على شكل عقود بأحكام

 وجاء في كتاب (Iraq and the Persian Gulf) : إن الصف الواسع من الدكاكين والذي يقع في المنطقة المحصورة بين المرقدين في مدينة كربلاء ، وكان سابقاً سوقاً مسقفاً ، يشكل الآن السوق الرئيسي الذي يفصل المدينة من شمالها إلى جنوبها.

 وعند زيارة الرحالة الإنكليزية مس ستيفنس كربلاء سنة 1337هـ (1919م) ، تحدثت عن أسواق كربلاء فذكرت سوقاً مسقفاً يبتاع منها الناس سلعهم وتكلمت عن أسواقها الشعبية فقالة : (أنها مليئة بالخضروات والفواكه وأنواع التمور إلى جانب اللوز والجوز).

 وقد تخصصت الأسواق في مدينة كربلاء المقدسة  ، حيث أن كل سوق من الأسواق ، أو أن جزءاً منها ، كان يختص ببضاعة معنية. أن هذا التخصص والتنوع يعتبر مظهراً بديعاً من مظاهر الأسواق الإسلامية. والأسواق في مدينة كربلاء المقدسة هي متاحف شعبية إسلامية قل أن نجد لها مثيلاً في كثير من أسواق المدن الأخرى.

 وكانت هناك داخل الأسواق في محاذاتها ، الكثير من البيوت التراثية الجميلة والمراقد الصغيرة والقيساريات والخانات التي كانت تعتبر من الأماكن التراثية في هذه المدينة.

 وتعتبر الأسواق من المعالم العمرانية المهمة في المدينة وأحد مستلزماتها الضرورية ، وأن عناصرها المميزة وتطورها وتكاملها العمراني هي أحد الروافد المساهمة في تطور المدينة.

 ولعبت الأسواق التراثية دوراً كبيراً في الحياة الأقتصادية والأجتماعية والسياسية أحياناً. إذ أن السوق لا يعمل كشريان للحياة الأقتصادية فحسب ، وإنما للحياة الأجتماعية العامة للمدينة. فهو إلى جانب المسجد ، يعتبر المكان الذي تحتك فيه القطاعات المختلفة من المجتمع الحضري مع بعضها.

 كما أن للاسواق دوراً في تكامل المدينة وترابطها مع مجاوراتها بفعل تبادل السلع والخدمات مع سكان المناطق القروية والريفية المحيطة بالمدينة.

 والأسواق في مدينة كربلاء ، والمدن العراقية عموماً ، أنشئت ضمن تخطيط المدينة ، فجاءت بحلول موفقة للمشاكل العمرانية والسكنية القائمة آنذاك. وهي لا تختلف من ناحية طراز عمارتها عن الاسواق في المدن العربية والإسلامية. إذ فرضت طبيعة المناخ السائد في تلك المدن نمطاً معيناً من الأسواق ، فهي ضيقة وشبه مستقيمة ، وفي أكثر الأحيان تقوم على طرفيها الدكاكين المختلفة وغالباً ما تكون ممراتها مسقوفة للوقاية من الأمطار وأشعة الشمس والرياح.

 إن الأسواق التراثية في مدينة كربلاء كانت تتسم ببساطة معالجتها المعمارية ، خصوصاً أطواقها وسقوفها الآجرية المعقودة بأحكام ، وكذلك معالجة واجهاتها الخارجية ، والتركيز على إغناء المعالجات المعمارية الداخلية..

 ونتيجة لعدم الأهتمام بالأسواق التراثية وعدم صيانتها وترميمها ، فقدت الكثير من مقوماتها الإنشائية التي كانت تتميز بها ، خصوصاً سقوفها الأجرية المعقودة التي استبدلت بسقوف من جسور الخشب تغطيها صفائح معدنية.

 ومنذ السبعينات من القرن الماضي ، وبسبب فتح شوارع جديدة والهدم الذي طال مركز المدينة ، أزيلت الكثير من الأسواق التاريخية القديمة ومنها سوق التجار ، سوق الحسين ، سوق العباس ، سوق باب القبلة وغيرها. وما زالت هناك بعض الاسواق الرئيسية القديمة موجودة في مدينة كربلاء على الرغم من أن بعضها فقد أصالته التراثية وخاصة السقوف نتيجة الترميمات غير المدروسة من الناحية المعمارية كسوق العرب ، وسوق الميدان ، وسوق المخيم ، وسوق باب السلالمة.

 أما بالنسبة إلى سوق التجار وسوق العباس وسوق الحسين ، فإنها من تشييد عضد الدولة البويهي سنة 1369هـ (980م) إذ أنشأها عندما قام بإنشاء الصحن الصغير الملحق بصحن الروضة الحسينية ، فشيد سوقاً بدأ من باب الصحن الصغير إلى جهة الشمال وفي وسطه تفرع إلى جهة الشرق ليصل إلى الباب الغربي من صحن سيدنا العباس عليه السلام  . ويُعد هذا السوق من أقدم الاسواق التي شيدت في كربلاء ، والتي كانت ما تزال باقية إلى السنوات الأخيرة.

 وقد شُيد هذا السوق من ثلاثة طوابق ، حيث تعرض لعدة أحداث أولها سنة 858هـ (1454م) على يد المشعشعين وكان يعرف بسوق سيد الشهداء ، وسوق ما بين الحرمين كما كان يطلق على سوق التجار ، بسوق العجم ، لأنه من تشييد ملك العجم عضد الدولة البويهي.

 وفي العهد الملكي ، وفي حدود سنة 1354هـ (1935م) ، قسم السوق إلى قسمين بسبب فتح شارع الإمام علي والذي كان يسمى بشارع فيصل. فسمي القسم الغربي من الشارع بسوق التجار ، كما سمي القسم الأول منه المتجه نحو الشمال بسوق الحسين.

 وكانت تنحصر في سوق التجار مهنة بيع الأقمشة بأنواعها المختلفة ، وقد هدم جزء منه سنة 1978م . أما الجزء الآخر منه فقد هدم سنة 1991م .

 أما سوق العباس فكانت تنشر فيه محلات صياغة وبيع الذهب والفضة. وأما موقعه فهو على أمتداد سوق التجار ، ويفصل بينهما شارع الإمام علي ، وقد هدم أيضاً سنة 1991م .

 ويمتد سوق الحسين ، من أمام باب الكرامة ، أحد أبواب الروضة الحسينية ، وينتهي بشارع صاحب الزمان ، ويتقاطع من سوق التجار. وتنتشر في هذا السوق عند بدايته محلات بيع الكماليات. أما في منتصفه ونهايته فتتوزع فيه القيساريات والمحلات التي تباع فيها البضائع بأنواعها المختلفة ، وقد هدم هذا السوق أيضاً سنة 1991م(1).

 وأما بالنسبة إلى أسواق العرب والميدان والعلاوي ، فقد شيدت في العهد العثماني وفي حدود سنة 1052هـ (1642م) ، عندما تولى أحمد آغا إدارة المدينة وشيد مبنى البلدية (قراة خانة) في موقع الميدان القديم .

 وقد حاول أن يحيط مبنى البلدية بشبكة من الأسواق. منها بأتجاه الشرق السوق الذي سمي فيما بعد بالعلاوي والذي ينتهي بشارع الصفارين. ومن جهة الشمال بالسوق الذي سمي فيما بعد بسوق الميدان والذي كان يتفرع إلى فرعين يصل أحدهما إلى باب الصحن الحسيني والذي سُمي بعد فتح شارع الإمام علي عليه السلام بسوق العرب ومن الجهة الثانية كان ينتهي إلى ساحة علي الأكبر والذي كان يُسمى بسوق الصفارين.

 وتنحصر في سوق العرب مهنة بيع الاقمشة. وقد سُمي بهذا الأسم لأنه كان قائماً على الاعراب (البدو الرحل) الذي يأتون من البادية لشراء ما يحتاجونه من الأقمشة والملابس ، وما زال قسم من هذا السوق قائماً إلى يومنا هذا.

 أما سوق الميدان فيشتهر بيع الفواكه والخضروات واللحوم وغيرها. ويشتهر سوق العلاوي بيع الرز والحبوب والطحين.

 وهناك أسواق قديمة أخرى في المدينة ، قسم منها ما زال في موقعه القديم . أما القسم الآخر فقد تغير موقعه نتيجة هدم مواقعها القديمة. ومن هذه الأسواق سوق السراجين ، سوق الخياطين ، وسوق الحياك ، وسوق باب السلالمة ، وسوق المخيم ، سوق باب الخان ، وسوق الصفارين وغيرها من الأسواق.


وحدة الاعلام


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :