مركز تراث كربلاء
الاخيضر ...اسرار وتاريخ
التاريخ : 19 / 3 / 2018        عدد المشاهدات : 4465

 

الأخـيضـر:

من الآثار المهمّة التـي تبعد عن مـركز مدينة كـربلاء المقدسة حوالـي 29 مـيلاً، أو ما يُقارب السبعة فـراسخ ، والواقعة بـين كـربلاء المقدسة  وشفاثة، وكان الاخيضر ضمن المسالح التـي شـيدها الملك السّاسانـي سابور ، وهـي القلعة التـي سمّاها مؤرخو العـرب باسم الأكـيدر أو الأخـيضـر، الواقعة شمال غـرب مدينة كـربلاء، حـيث كان الملك السّاسانـي -فـيـروز- شاه يقضـي فصل الـربـيع فـيها بقصد الصـيد والنّزه.

وهنالك رأي آخـر تبناه الأستاذ عدنان عبيد المسعودي فـي كتابه أضواء كـربلاء: ( إنّ قصـر الأخـيضـر لا يمكن أن يعود فـي تاريخ إنشائه إلـى أكثـر من(100 سنة)قبل الفتح الإسلامـي؛ فمن غـيـر المعقول أن يكون سابور ذو الأكتاف قد شـيد الأخـيضـر؛ فـيكون عُمـر الأخـيضـر هو ذاته عُمـر مدينة الأنابـيـر، ولكن قد يكون من المحتمل أنّ الموقع المعـرف بالعقـر(14 كم)شمال شـرق مدينة كـربلاء مجاور منشأة حطـين الصّناعـية وهـي إحدى تلك القلاع التـي شـيدها سابور ذو الأكتاف لتكون حصناً دفاعـياً يحـيطه كـري سعد أو العلقمـي من ثلاث جهات، فهذا أمـر منطقـي. ولكنّ جمـيع هذه الدراسات لم تحسم تاريخ إنشائه ولا الطّور الحضاري الذي ينتمـي إلـيه، وممّا عَقّد المشكلة فـيه وجود المسجد الذي اكتشفته(مس بـيل)أثناء زيارتها للموقع عام(1912م)، ثمّ تَبِعها حشدٌ من المؤرّخـين، فقالوا: إنّه أثـر عباسـي قام بإنشائه(عـيسـى بن علـي)فـي فتـرة ولايته للكوفة، أثناء خلافة أبـي جعفـر المنصور فـي صدر الدّولة العبّاسـية الأولـى. ولكن ما حاجة الدولة العبّاسـية لتشـيد قلعةً منـيعةً تتّسع لأكثـر من ألف مقاتل أو فارس، محصنة تحصـيناً عسكـرياً فائقاً وفـي منطقة مشكوك فـي ولائها للعبّاسـيـين

إنّ أبا جعفـر المنصور(ت158هج–775م)، الدّاهـية، والـرجل الماكـر، سـيكون أحمقاً لو قَبِلَ بذلك، خصوصاً وإنّ عـيسـى بن موسـى بن محمّد بن علـي كان ولـياً للعهد، وقد أوصـى له السّفّاح قبل موته(136هـ -754 م)، وذلك بعد ولاية المنصور ولكنّ المنصور أجبـره أن يتنازل عن ولاية العهد وتولـية ابنه(محمّد الهادي)مكانه، فانصاع راغماً لإرادة المنصور. 

و يمكن أن يكون عـيسـى بن موسـى بن علـي الذي آل إلـيه قصـر الأخـيضـر، قد أجـرى فـيه بعض التّعديلات أو أضاف بعض التّعزيزات، خصوصاً وقد أصبح معلوماً أنّ قصـر الأخـيضـر لم يشـيد دفعة واحدة وفـي عصـر واحد بل تمّ بناؤه فـي عصور مختلفة، ففـي كل مـرحلة يضاف له مـرفق حتـى اكتمل بما نـراه الـيوم من الهـيبة.

ولـيس بعـيداً أن يكون المسجد الذي اكتشف بقربه قد أضافه المسلمون بعد أن فتحوا العـراق عام(633هـ). وفـي الحقـيقة أن الصّور الجويّة تُظهـر لنا آثارَ مدينةٍ كاملة تنتشـر حول القصـر يشطـرها الوادي الأبـيض إلـى شطـرين، شمالـي وجنوبـي.

وقد بـينت أعمال المسح الآثاري وجود سور خارجـي مندرس كلـياً يحـيط بالقصـر، وهذا السّور غـيـر المنتظم يشكّل مستطـيلاً يتّجه إلـى الغـرب–فـيبلغ طول الضّلع الجنوبـي من السّور حوالـي(635م)، والضّلع الغـربـي حوالـي(540 م)، والشـرقـي(311م)، وبكل تأكـيد فإنّ السّور الخارجـي ينتمـي إلـى عصـر أبعد فـي التاريخ من القصـر نفسه، نظـراً لعدم انتظام شكله أولاً، وثانـياً لأنّ فـيه فكـرة إنشاء مدينة كاملة.

ومن المعلوم أنّ قصـر الأخـيضـر لم يعـرف عند المؤرخـين بهذا الاسم–علـى الإطلاق- ولكن جاء ذكـر قصـر بنـي مقاتل الذي يشغل ذات المكان الذي يشغله الأخـيضـر أو محاذي له–عند الوادي الأبـيض وربما يكون البلاذري(ت279هـ)حـينما ذكـر فـي كتابه فتوح البلدان: (قصـر سابور الذي يعـرف الـيوم قصـر عـيسـى بن علـي)، فـيكون قصـر الأخـيضـر ذاته قصـر سابور، ثمّ أجـرى علـيه عـيسـى بن موسـى بعض التغـيـيـر. وكان البلاذري(ت279هـ)بـرواية أبـي مسعود الكوفـي ما نصه: (ثمّ عبـر المسلمون جسـراً كان معقوداً عند قصـر سابور الّذي يعـرف الـيوم بقصـر عـيسـى بن علـي. فخـرج إلـيه خـرزادن بن ماهبنداذ وكان موكلاً به، فقابلوه وهزموه ثمّ... أتوا عـين التمـر)

وهذا النّص الذي أورده البلاذريّ يؤكّد أنّ القصـر كان موجوداً أثناء فتوحات العـرب للعـراق، ولكنّ اسم القصـر كان يتبدّل بتغـيـر العصور. وقد كشفت الحملات التنقـيبـية عام(1973-1975م)وذلك من قبل بـربارا فـينستـر B.Finster ويورغن شمـيدت j.Schmidt وقد أظهـرت هذه الحملات:( إنّ قصـر بنـي مقاتل... كان محل ما يعـرف بتلول الأخـيضـر Tululal Ukhaidir علـى بعد(2كلم)شمال حصن الأخـيضـر).

وتلول الأخـيضـر تقع علـى الضفّة المقابلة لقصـر الأخـيضـر محاذية تماماً للوادي الأبـيض من جهة الشمال. وهـي عبارة عن مواقع أثـرية تـرقد تحت كتل الـرمال بمساحة أولـية تقدّر فـي حدود(250×200م)تقـريباً، يحـيط قصـر به جدار خارجـي أظهـرت البعثة الألمانـية التـي نقّبت فـي الموقع عام(1973-1975م)أثـرا كبـيـرا تبدو أبعاده أكبـر من قصـر الأخـيضـر، وقد شـيدت جدرانه بالآجـر الأحمـر، وهـي مدعمة بأبـراج نصف أسطوانـية أصغـر بكثـيـر من مثـيلاتها الشّاخصة فـي الأخـيضـر. وبـينت أعمال التّنقـيب وجود صالة كبـيـرة تتألّف من عدد من الأعمدة تسمـى قاعة الأعمدة، أو صالة الأعمدة.

ولـيس بعـيداً أن قصـر بنـي مقاتل قد نقضه عـيسـى بن علـي، لسبب غـيـر معـروف وأقام الأخـيضـر إلـى الجنوب منه علـى الضفّة المقابلة من الوادي الأبـيض.

وقد ذكـرت(مس بـيل): (أنَّ قصـر بنـي مقاتل كان قائمًا قبل الإسلام، وكذلك فـي العصـر الأموي، ثمّ هدمه وأعاد بناءَه: عـيسـى بن علـي. وكانت(مس بـيل)قد تساءلت: من المدهش أنّ بناءً مهماً كالأخـيضـر لم يذكـره أحدٌ من المؤرخـين أو الشّعـراء، وفـي ذلك المكان الذي كان مسـرحاً لأحداثٍ كثـيـرةٍ خلال المئة والخمسـين لأولـى من الهجـرة). لذلك تقتـرح(بـيل)أن يكون(عـيسـى بن علـي) قد هدم قصـر بنـي مقاتل وأعاد بناءه من جديد. ولـيس من المستبعد أن يكونَ سكوت المؤرخـين والبلدانـيـين العـرب عن ذكـر القصـر باسم الأخـيضـر إنّه لم يكن يعـرف باسم واحد فـي جمـيع الحقب الزمنـية التـي كان شاخصاً فـيها، فلـيس من المستبعد–والحالة هذه–أن يكون قد سمـي بأسماء مختلفة متنوّعة أو اقتـرن اسمه أحـياناً بأسماء بعض الأمـراء أو القبائل التـي نزلته أو استفادت منه. ومما يدعم هذا الاقتـراح ما كتبه الـرحالة الإيطالـي(بتـرو ديلا فـيلا)الذي مـر به فـي طـريقه من البصـرة إلـى حلب فـي النّصف الأوّل من القـرن السّابع عشـر: (بأنّه كان يسمـى عند أهل المنطقة بقصـر الخفاجـي).

 

 


الشيخ عقيل الحمداني


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :