مركز تراث كربلاء
كربل اليم ...؟
التاريخ : 1 / 3 / 2018        عدد المشاهدات : 951

الحلقة الثانية 

من عُمقِ التاريخ الإنساني المتأرجح والماثل على سطح الوجود  قطعةٌ من جنانِ الله، هي محطُّ الأنظار  ومرسى الأخيلة وينبوع العيون،  تجلَّت محطاتُ مسرى القوافل  مُنذ القِدَم وارتقت الأرواحُ  بقدر تقرَّبها من هذه البسيطة التي اختارها الله أنْ تكونَ بداية نهاية الظلم  والطغيان وهذه سعةٌ لا يعلمها إلّا اللهُ والراسخون في علمه، وهكذا معالم تخفى معالم إدراك قداستها لذوي العقول المحدودة، ولا تدرك معانيها السامية إلّا بالرؤى  التي تحمل طيَّاتُها روحاً نقية. وإنّنا عندما نتحدّث عن مثل هذا الثر، ينبغي أنْ ندركَ  بالفعل ونحلل  ما نطق به أولياءُ الله وأنبياؤه وعبادُه الصالحون عنها، عن أنموذج سمائي أراد اللهُ ـ جلّ وعلا ـ  أنْ يجعلها رمزاً خالداً تسعى إليها الحواسُ قبل الأرجل، فكانت كربلاءُ مضرباً للمثل الأعلى  وأرضاً مقدّسةً لتضحيةِ المقدّسين بين ترعها الطيبة.

تحدّثنا في الحلقة الاولى من هذا المقال والذي نشـر في العدد السابق عن عددٍ من الفعاليات والنشاطات  الدينية والثقافية والوطنية والعشائرية التي أقيمت في مدينة كربلاء  للمدة من سنة 1960م إلى 1963م والتي تنطوي على مواقف خالدة.

سوف نسلّطُ الضوءَ في هذا الجزء على عددٍ آخرَ من هذه الفعاليات و النشاطات: فبتاريخ 10/6/ 1959م انعقدت في مدينةِ كربلاء نشاطاتٍ وفعالياتٍ ثقافية عديدة استذكارًا للرسامين العالميين الذين تشرّفت أناملهم  برسم  المراقد المقدّسة، وهما مرقد شهيد التوحيد الحسين وأخيه العباس -عليهما السلام- واللوحات الفنّية التراثية التي تجسِّد أهمية كربلاء في التاريخ، حيث عُقدت جلساتٌ عديدةٌ قُدِّمت خلالها دراساتٌ وبحوثٌ وشروحاتٌ عن تلك اللوحاتِ التي أبهرت فناني العالم  بتنوع  أديانهم وبلدانهم؛ لأنَّ  تلك اللوحاتِ كانت تحملُ مضامينَ عديدةً وخاصة اللوحات التي رسمت من قبل المستشـرق الألماني نولدكه عام 1851م, والرحالة الألماني  كارستن نيبور, والرحالة أديب الملك المراغي  1857م .كما عُرضت ثماني لوحاتٍ فنّية  من ثلاث دول هي: إسبانيا ثلاث لوحات، أستراليا لوحتان، جمهورية مصر العربية  لوحة واحدة،  سوريا لوحة واحدة، فرنسا لوحة واحدة، وقد شهدت هذه الفعاليات نشاطاً نادراً هو الأوّل من نوعه في العراق، حيث تشرَّفت أنامل أكثر من مائة خطاط ومن عشـر دول هي: إسبانيا, الهند, أستراليا, إندونيسيا, الجزائر, سوريا, الأردن, جمهورية مصر العربية, تونس, لبنان بكتابة أكثر من مائة عبارة وشعار خاصة بنهضة الإمام الحسين -عليه السلام-  حيث تناولت هذه الشعاراتُ مواقفَ الإمام الحسين الإنسانية والبطولية وكذلك إيثار سيّدنا أبي الفضل العباس-عليه السلام - وقد خطَّت هذه الشعارات على قماش بطول( 300 ) متر وهي المسافة التي بين المرقدين المقدسين.

  وفي عام  1998م صدر  الجزءُ الأوّل من تاريخ المراقد، وفي عام 2015 م صدر الجزءُ الثامن منه، وهذه الأجزاء الثمانية صادرة من دائرة المعارف الحسينية، وقد تضمّنت كثيرًا من المرتسمات النادرة واللوحات الفنيَّة والزخارف المتنوِّعة ولقرون عديدة، كما تضمّنت عددًا من السير الذاتية لمن نفّذوا تلك الأعمال.

وبتاريخ 15/ 11/ 1960م عُقدت في لواء كربلاء جلسات حوارية متخصصة في المخطوطات النادرة وخاصة ما كُتب منها بالخط الكوفي. وتعدّ كربلاء من المدن الإسلامية التي تتواجد فيها هذه المخطوطات، حيث توجد أكثر من مائة مخطوطة نادرة في خزائن العتبتين المقدستين  الحسينية والعباسية، وكما نوقشت جرائم نهب وحرق المئات من المخطوطات الثمينة من قبل الحكومة العثمانية وخاصة  المخطوطات التي تتعلق بتراث أهل البيت -عليهم السلام- وتمّ التركيز على أحداث سنة 1842م بشكل خاص،  وقد ذكرنا في  العدد السابق النشاط الثقافي الذي انعقد بتاريخ 28/ 5/1961م والذي نوقشت خلاله أساليب العنف والكراهية والتسلُّط من قبل العثمانيين  سنة 1842م.

 و بتاريخ 9/ 12/ 1961م شهد لواءُ كربلاء حملات توعوية  صحية للتحذير من انتشار العوامل المسببة لانتشار وباء الكوليرا، وقد أثبتت الفحوصات الطبية عدم تسجيل حالات  إصابة بهذا الوباء في لواء كربلاء  للسنوات 1959م- 1960م – 1961م، وهو دليل على الثقافة الصحية الكبيرة التي أثبتت نجاحها برغم كثرة الوافدين لهذه المدينة، وقد انطلقت حملات توعوية من كربلاء إلى مدن عراقية أخرى. 

و بتاريخ 14/3/1962م عقدت في لواء كربلاء ندوة زراعية  متخصصة بكيفية الاهتمام بـالثروة السمكية في لواء كربلاء، وكانت الندوة تهدف  إلى وضع خطة عمل بموجبها  يتم إنشاء المزارع السمكية باستخدام  التكنلوجيا الحديثة والاستفادة من الخبرات العالمية  المعمول بها بدول عديده  منها: كندا, المكسيك, وخاصة  المزارع السمكية في إسبانيا التي تُعدُّ نموذجاً رائعاً  لإنشاء المزارع السمكية المتطورة وقد نوقشت المؤهّلات التي يمتلكها لواء كربلاء من مساحات مائية كبيرة  في بحيرة الرزازة  وكذلك نهر الفرات، حيث يعدّان  عاملان مشجعان لإنشاء المزارع باستخدام طريقتي البحيرات والأقفاص الشاطئية، علمًا أنّ تربية الأسماك في لواء كربلاء لا تكون عالية الكلفة.

وتحت شعار أبي طالب -رضوان الله عليه- فكر وتنوير, انعقد في لواء كربلاء  بتاريخ 10/1/ 1962م المؤتمر الإسلامي الأوّل، قدمت بهذا المؤتمر بحوث عديدة تناولت السيرة العطرة لشيخ الموحدين أبي طالب -رضوان الله تعالى عليه- وكذلك السنن التي كان يعمل بها قبل الإسلام، وعندما جاءت تعاليم الإسلام  لم تمسسها وتحرِّمها، بل وافقت تعاليمه وكذلك دفاعه عن نبيِّ الرحمة محمّد -صلّى الله عليه وآله- وقد شارك في المؤتمر: الدكتور  جلال  عبد الباسط الرفعة من تونس, السيد إسحاق وجدي البرزنجي الموسوي من العراق, الأستاذ نسيم عبد القادر حسام  حمد الدين من جمهورية مصر العربية, الدكتور نهاد أحمد عبد الرحمن من تركيا. كما حضرت المؤتمر وفودٌ وشخصيات إسلامية من الأزهر وشخصيات علمائية من تونس, وأكثر من عشرين شخصيةً عربيةً من الجزائر والمغرب وسوريا،  كما حضره وفدٌ من جامعة سلامنكا الإسبانية وشهد المؤتمر حضوراً كبيراً من الشخصيات العراقية العلمية والأكاديمية وبمشاركة كبيرة من قبل  اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين.

لقد كانت كربلاءُ وما زالت موئلاً لليمِّ، توحي قبابها ومنائرها الموشّاة بالإبريز له بالأمان الدائم، ليغدو سفيراً للسلام وعلامة فارقة في سماء كربلاء وأرضها، فما من زائرٍ لهذه المدينة المقدّسة إلّا ولاحظ عن كثب انتشاره وقربه من الزائرين، يوحي لهم بالأمان وبقداسة المكان.  


بقلم الأديب هاشم الطرفي


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :