مركز تراث كربلاء
عربةُ الرَّبل.. مظهرٌ من مظاهرِ الحياة الكربلائية القديمة
التاريخ : 26 / 1 / 2018        عدد المشاهدات : 2267

        تعودُ بنا الذكرياتُ إلى صورةِ الرَّبلِ وهو يسيرُ في شوارعِ كربلاءَ حاملاً معَهُ ما يستطيعُ حملَهُ من الرّكّابِ،  يتنقّلون به من منطقةٍ إلى أخرى ومن شارعٍ إلى آخرَ، وبأجرٍ لا يتجاوزُ الخمسين فلساً (درهم واحد) وكانت هذه الأجرةُ تُقاسُ حسب بُعد المسافة التي يقطعها الرَّبل فأجرة النقل داخل المدينة لا تتعدى المبلغ المذكور.

أمّا خارج المدينة فهي(150) فلسًا مثل التنقل من المدينة إلى( سوق الكويتي ) في حي الحسين حالياً، وهذا هو أبعد خط كان يستخدمه أصحاب الرّبلات داخل مدينة كربلاء. ومن الميسورين مَن كان يستخدم الرَّبل عند زفاف أولادهم أو بناتهم بعد أن يتمّ الاتفاقُ على أجرة الرَّبل والتي لا تتجاوز في كثير من الأحيان الدينار، بعد أن يتمّ تزين العربة بالبالونات والورود وأدوات الزينة الأخرى، وكانت الزفّةُ تتكوّنُ من عدَّة ربلات يقودهم الأكبر سنّاً والأكثر خبرة وخدمة في هذا الشأن. كما أنّ كثيرًا من رجال الحكومة وكبار موظفيها كانوا يستخدمون الرّبلات في تنقلاتهم خلال تأدية واجباتهم الرسمية.

وقد انقسم عامّةُ الناس في إطلاق التسمية فمنهم من كان يسميها (عربانة) ومنهم من كان يسميها (رَبَلْ) وهي الأصح نسبة إلى كلمة (Rubber) بالإنجليزية والتي تعني (المطاط).

أمّا بالنسبة للعربة  فتتم السيطرة عليها بواسطة اللجام والسوط (القمچي) الذي يصنع من أعواد الخيزران ويبلغ طوله المترين أو أكثر من ذلك بقليل. ويكون سمكها بسمك الأصبع الواحد وفي نهايته سير رفيع مصنوع من الجلد طوله متر واحد وسمكه لا يتجاوز السنتمتر الواحد. يستعمله صاحب العَربة بلا رحمة في حثِّ الخيول على السير، وعند انتهاء عمله يضعه في المكان المخصص له على الجانب الأيمن من مكان جلوسه.

 يصنع بدن الربل وجميع أجزائه من خشب التوت والحديد وجلد الجاموس وبعض المواد الأخرى. وتكون هذه العربة مكشوفة الجوانب ومفتوحة من الأمام فهي صيفية أكثر مما هي شتائية، وفي الشتاء وأثناء سقوط الأمطار يتم تغطية الربل بقماش مشمّع مستطيل الشكل توضع مقدمته فوق محل جلوس الحوذي (العربنچي) ويُنشر بقية المشمع فوق التنتة للحفاظ على الراكب من البلل ومن سقوط قطرات المطر داخل العربة، كما أنّ العربنجي كان يغطي رأسه وجسمه بمشمع مطري يسمونه (گبع).

يكون الرَّبل على نوعين لا ثالث لهما الأول (المستورد) والثاني (المحلي) والنوع الثاني يكون على شكلين أيضاً ما يجره حصان واحد وما يجره حصانان ، والأخير كان يستعمل بكثرة في كربلاء. ولكل واحد منهما سعره الخاص به إلّا أنَّ المستورد يفوق بسعره المصنوع محلياً بفارق كبير.

كانت بعض أجزاء الربل تتم صناعتها في  محلّات مصلحي هذه الربلات، حيث كانت لهم في كربلاء محلّاتهم الخاصة بذلك منهم المرحوم (رضا عبد العباس)  أمّا أول من صنعها هو الحاج الأسطة حسن النجار والد الشاعر الحسيني (محمّد رضا النجار) الذي تفنن كثيراً في صنعتها حتى إنّه أجرى عليها تطويرات ساعدت على متانتها وجمالها عندما كان يعمل نجاراً في بغداد آنذاك. وكذلك الأسطة جواد في محلّه الكائن في شارع طويريج مقابل حسينية الحاج حسن، كما صُنعت على يد الحاج الأسطة مهدي النجار وغيرهم.

ولعربات الربل والخيول مرآب خاص تجتمع عنده بعد رحلة العمل يسمى (طولة) وجمعها طولات وهي منتشـرة داخل المدينة، وكان عددها يقارب( 15 ) طولة أغلبها تسمى بأسماء أصحابها ومن أشهرها:

1ـ طولة خان البلدية: كانت مستأجرة من قبل أحد المتعهدين وهو المرحوم عليوي إبراهيم وكان يستوفي أجوراً من أصحاب الربلات، وكانت لا تتجاوز آنذاك الدينارين للربل الواحد.

2- طولة محمّد العلوان: وتقع في باب العلوة (باب بغداد).

3- طولة الحاج زبالة: وتقع في باب طويريج.

4- طولة الحاج كاظم حميدي وإخوانه: وتقع في العباسية الشرقية قرب خان البلدية.

للعربة ومن يقودها ضوابط معينة للعمل في شوارع المدينة حيث كانت تخضع لاختبارات معينة ودقيقة وهي شبيهة بتلك الاختبارات التي تجرى لسائقي السيارات حالياً، حيث يُمنح من يجتاز تلك الاختبارات إجازة رسمية تخوله قيادة العربة، كما أنّ هناك فحص طبي بيطري يجرى للخيول التي تجر العربات كل ستة أشهر.

والعربنچية ينقسمون هم أيضاً على قسمين الأوّل أصحاب الربلات(الملاكين) والقسم الثاني (الصنّاع) وهم سائقي الربلات منهم: كاظم حميدي – رضا حميدي – جواد حميدي – محمّد علوان – حسين محمّد- عبد الحسين - حجي زبالة – صبري زبالة – إسكندر – كاظم مظلوم – محمّد إسكندر – كاظم عبد- شاكر عبد – عليوي إبراهيم – فاضل كنعان- زيدان كشوش- جاسم ناصرية - حجي عريبي – ميري عبيس- حجي هاشم – حجي حسون السراج- عبد الحسين النجار.

كان أصحاب الربلات يواجهون أوامر البلدية التي لا تنقطع، كما عانوا كثيراً قرارات محافظ كربلاء في الستينيات جابر حسن حداد الذي كان يحاسبهم على كلَّ صغيرة وكبيرة، حيث حاول منعهم مراراً من السير في شوارع كربلاء بدواعي المحافظة على نظافة الشوارع التي تتسبب فضلات خيول في تلويثها، ومن هذه القرارات وضع أغطية خاصة في مؤخرة الخيول(الحاضنة) لتجميع فضلاتها إلّا أنّ هذه العملية لم يكتب لها النجاح.

كان انتشار السيارات التي تتميّز بالسرعة والمحافظة على مستقلّها من العوامل الجوية في الستينيات وما تلاها من عقود إضافة إلى توسع المدينة وبُعد بعض أحيائها سبباً في قلة عدد الربلات ثمّ اختفائها من الشوارع تدريجياً إلّا من يحتفظ به كجزء من الاهتمام بالتراث، أو ما بقي منها معروضاً في الحدائق والتنزهات العامة يستقله بعض الأطفال ليعيشوا أمس أجدادهم ويتعرّفوا عن كثب على وسيلة من وسائل النقل الجميلة والممتعة، فمن كان يرى عربة الحوذي عوفي ـ رحمه الله ـ تجوب شوارع كربلاء ولا يرغب في أن يستقلّها، فقد كانت عربةً مميّزة ومتكاملة و كان المرحوم عوفي يهتم بها كثيراً ويحرص على تجميلها وتنظيفها بشكل دائم، حيث كانت علامة فارقة في شوارع كربلاء آنذاك. 


الإعلامي علي باسم العكابي


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :