مركز تراث البصرة
سليمان بن رُزين (سفيرُ الإمامِ الحُسين (عليه السلام) إلى البصرة)
التاريخ : 15 / 4 / 2017        عدد المشاهدات : 14247

كانتْ البصرة ـ وما تزال ـ مَعرَوفةً بمواقفِها الولائيَّةِ لأهل بيت العصمة والطهارة، وقد قدَّمتْ ما قدمتْ من مواقف، ودفعتْ في سبيل ذلك ضريبة كبيرة، فقد سُلِّط على حُكمِها الكثير من أئمة الجور والظلم، الذين شَهِدَ لهم التاريخُ بالبطشِ والقسوةِ والعداءِ الشديدِ لأهلِ البيتِ (عليهم السَّلام) والخط الرسالي القويم، وكلُّ هذا لِما عُرف عن أهل البصرة من مواقف ولائيَّة لأهل البيت (عليهم السلام) ولانتهاجهم منهج عليٍّ (صلوات الله عليه). وهذا لا يعني أنَّ أغلب البصرةَ كانت مواليةً لهذا الخط، فقد شذَّ مَن شذَّ مِن أهلها واتبعوا نهجاً آخرَ.

ولا يخفى على ذي لبٍّ ما للبصرة من دورٍ وأهميَّةٍ في التأريخ ولا نستطيع أنْ نُنكِرَ وقوفَ الكثيرِ من القبائل البصريَّةِ جنباً إلى جنبٍ مع أمير المؤمنينَ في حربِ الجملِ، وما للبصرة من دورٍ بارزٍ في نصرةِ الإمام الحُسين (عليه السَّلام) وما لها من مواقفَ مُشرِّفةٍ عبر التأريخ لذا كانتْ محلَّ أنظار أهل البيت.

ولهذه الأهميَّة التي تمتاز بها البصرة بعثَ لهم الإمامُ الحُسين بنُ عليٍّ (عليهما السلام) رسولاً يدعوهم لنصرته في نهضتهِ الإصلاحيَّةِ، ويوصل رسالة إلى أشرافها ورؤساء الأخماس فيها، والأخماس كما ذكر المُحقِّقُ السَّماويّ هي أخماس البصرة: (العالية، وبكر بن وائل، وتميم، وعبد القيس، والأزد ).

 وكان هذا الرسول هو سُليمان بنُ رُزَين رسول الإمامِ الحُسين (عليه السلام) الذي كان بحق من الرِّجال الذي يُحبُّون أنْ يَطَّهَّروا (والله يحبُّ المُطَّهِّرين) (التوبة 108) ومن الصَّادقين الذين عاهدوا اللهَ فلم يُخلفوا عهدَهم؛ لذلك بعث معه الإمامُ الحُسينُ "عليه السلام" كتاباً إلى الأشراف من أهل البصرة كما ذكر الطَّبري في الجزء الثالث صفحة 280 (عن أبي عثمان النهدي، قال: كتبَ الحُسينُ مع مولىً لهم يُقالُ له سُليمانُ وكتبَ بنسخةٍ إلى رؤساء الأخماس بالبصرة وإلى الأشراف فيها، فكتب إلى مالك بن مسمع البكري وإلى الأحنف بن قيس، وإلى المنذر بن الجارود، وإلى مسعود بن عمرو، وإلى قيس بن الهيثم. وإلى عمرو بن عبيد الله بن مَعمر، فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها: "أمَّا بعد فإنَّ الله اصطفى محمداً (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم) على خلقه، وأكرمه بنبوَّتهِ، واختارَهُ لرسالته. ثم قبضَهُ اللهُ إليه وقد نصحَ لعبادهِ، وبلَّغ ما أُرسِلَ به (صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلَّم)، وكُنَّا أهلَهُ وأولياءَهُ وأوصياءَهُ وورثتَهُ وأحقَّ الناسِ بمقامهِ في الناسِ فاستأثر علينا قومُنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقةَ، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنًّا أحقُّ بذلكَ الحقِّ المُستحقِّ علينا ممَّن تولَّاهُ، وقد أحسنوا وأصلحوا وتحرَّوا الحقَّ. فرحمهم اللهُ، فعفا لنا ولهم، وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتابِ اللهِ وسنَّةِ نبيِّهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّم) فإنَّ السُّنَّةَ قد أُميتَتْ، وإنَّ البدعةَ قد أُحييتْ وإنْ تسمعُوا قولي وتُطيعوا أمري أهدِكم سبيلَ الرَّشاد، والسَّلامُ عليكم ورحمةُ الله").

ثم أضاف الطبري: "فكلُّ مَن قرأ الكتابَ من أشرافِ الناس كتَمَهُ غيرُ المنذرِ بنِ الجارودِ – إذ كانت ابنتهُ بحرية بنت المنذر بن الجارود تحت عبيد الله بن زياد - فإنَّهُ خَشِيَ بزعمهِ أنْ يكونَ دسيساً من قبلِ عُبيدِ الله، فجاءَ بالرَّسول من العشبةِ التي يُريدُ صبيحتَها أنْ يسبقَ إلى الكوفة، وأقرأهُ كتابَهُ، فقدَّمَ الرَّسولَ فضربَ عنقَهُ". انتهى كلام الطبري.

وبما أنَّ "الرَّسولَ دليلُ عقلِ المُرسلِ"، فاختيارُ الإمامِ هذهِ الشَّخصيَّةَ التَّاريخيَّةَ الفذّة للقيامِ بهذهِ المُهمَّةِ دليلٌ على أنَّها تحظى بثقتهِ، وأنَّهُ من الذينَ ادَّخرَهُم الإمامُ للمُلِمَّاتِ، واللافتُ للنظرِ أنَّ التأريخَ لم يُسلِّط الضوءَ كثيراً على تلكَ الشَّخصيَّةِ العظيمةِ التي مَثَّلَت الإمامَ الحُسينَ بنَ عليٍّ (عليه السلام) في تاريخِ النهضةِ الحُسينيَّةِ وحَمَلَتْ رسالتَهُ للبصرةِ، وكم في مخابئِ التاريخِ من دررٍ لم تُكْتَشَف، وكم من أولياءَ وأصفياءَ للهِ لم يُنْصَفُوا، وهذه الشَّخصيَّةُ التي قَدِمَت البصرةَ منهم.

إذ كانت هذه الشَّخصيَّةُ البطوليَّةُ المُختارَةُ أوَّلَ مَن ضُرِّجَ بدماءِ الشَّهادةِ وسَقَطَ على أرضِ البصرةِ مُدافِعاً عن القيمِ والمبادئ الساميةِ للنهضةِ الحُسينيَّةِ قبل أنْ تسقُطَ الشُّهداءُ على أرضِ كربلاءَ.

ذهبَ المُؤرِّخُونَ إلى أنَّ اسمَ هذا الرَّجُلِ سُليمان إلَّا أنَّ ابنَ نما ذكر - على قولٍ - أنَّ اسمَهُ غيرُ ذلك إذ قالَ: وبعثَ الكتابَ مع ذِراعٍ السَّدوسيِّ، وقيلَ مع سُليمان المُكنَّى بأبي رُزين فيه، إنِّي أدعوكم إلى اللهِ وإلى نبيِّهِ فإنَّ السُّنَّةَ قد أُميتَتْ، فإنْ تُجيبُوا دعوتي وتُطيعوا أمري أهدِكم سبيلَ الرَّشادِ. فلمَّا وصلَ الكتابُ كتمُوا على الرَّسولِ إلَّا المنذرَ بنَ الجارودَ فإنَّهُ أتى عبيدَ اللهِ بالكتابِ ورسولِ الحُسينِ لأنَّهُ خافَ أنْ يكونَ الكتابُ قد دسَّهُ عبيدُ اللهِ إليهم ليختبرَ حالَهم مع الحُسينِ، لأنَّ بحريَّةَ بنتَ المنذر زوجُ عبيدِ اللهِ، فلمَّا قرأ الكتابَ ضربَ عُنقَ الرَّسولِ، وأمَّا الأحنفُ فإنَّهُ كتبَ إلى الحُسينِ (عليه السلام): أمَّا بعد فاصبر إنَّ وعدَ اللهِ حقٌّ ولا يستخفَّنَّكَ الذينَ لا يُوقنون. وأمَّا يزيدُ بنُ مسعودِ النهشليُّ فإنَّهُ أحضرَ بني تميم وبني حنظلةَ وبني سعدٍ وقال: يا بني تميم كيف ترونَ موضعي منكم وحسبي فيكم؟ فقالوا: أنت فقرةُ الظَّهرِ وراسُ الفخرِ، حَلَلْتَ في الشَّرفِ وسطاً، وتقدَّمْتَ فرطاً، قال: قد جمعتُكم لأمرٍ أُشاورُكُم فيه وأستعينُ بكم عليه، قالوا: نمحضُكَ النَّصيحةَ ونجهدُ لكَ الرأيَ، قال: إنَّ معاويةَ هلكَ فأهونُ بهِ هالكاً ومفقوداً، انكسرتْ بابُ الجورِ، وكان قد عقدَ لابنهِ بيعةً ظنَّ أنَّهُ أحكَمَها، وقد قامَ يزيدُ شاربُ الخمورِ ورأسُ الفجورِ، وأنا أُقسِمُ باللهِ قسماً مبروراً لَجِهادُهُ على الدِّينِ أفضلُ من جهادِ المُشركينَ، وهذا الحُسينُ بنُ عليٍّ ابنُ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ) ذو الشَّرفِ الأصيلِ والعلمِ والسَّابقةِ والسِّنِّ والقرابةِ يعطفُ على الصَّغيرِ ويحنو على الكبير فأكرم به راعي رعيَّتهِ وإمامَ قومٍ وجبتْ للهِ به المحجَّةُ.

وذُكِرَ في زيارةِ النَّاحيةِ المُقدَّسةِ: "السَّلامُ على سُليمانَ مولى الحُسين ابن أمير المؤمنين ولعن اللهُ قاتلهُ سُليمانَ بنَ عوفٍ الحضري". وإنْ كانَ هناك اختلافٌ في الاسمِ فلا يوجدُ خلافٌ بينَ المؤرِّخينَ أنَّ هذا السَّفيرَ الحُسينيَّ ضُرِّجَ بدماءِ الشَّهادةِ على أرضِ البصرةِ وقُتِلَ بأمرِ عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ ليلةَ خروجهِ من البصرةِ إلى الكوفةِ.

ويُكنَّى سُليمانُ بأبي رُزَين، وذكرَ بعضُ المؤرِّخينَ أنَّ "أبا رُزين" هو اسمُ أبيهِ، وأُمُّهُ كبشةُ جاريةٌ للحُسينِ (عليه السلام) تزوَّجَها أبو رُزَين وأولدها "سليمان".

وصاحب كتاب إبصار العين المُحقق السَّماوي ضبطَ الاسمَ هكذا "سليمان بن رزين".

إذ قال: وكتبَ الحُسينُ (عليه السلام) إلى رؤساء الأخماس في البصرة وإلى أشرافِها مع سُليمان مولاه، فكتبَ إلى مالك بن مسمع البكري، وإلى الأحنف بن قيس، وإلى المنذر بن الجارود، وإلى مسعود بن عمرو، وإلى قيس بن الهيثم، وإلى عمرو بن عبيد الله بن معمر بنسخةٍ واحدةٍ.

كان سُليمان من الشَّخصيَّاتِ الموثوقةِ عند الحُسين (عليهِ السَّلام) لذلك اختارَهُ سفيراً عنه إلى البصرة - التي يصفُها بعضُ المؤرِّخين بأنَّها كفَّةُ الميزانِ مع الكوفة - ليوصلَ إلى أشرافِها ورؤساءِ الأخماس فيها كتاباً عنه.

عندما يذكرُ التاريخُ شهداءَ كربلاءَ لا يذكرُ بينَهم عادةً سفيرَهُ إلى البصرة "سُليمان" مع ما له من الفضلِ والمكانةِ العظيمةِ عند اللهِ تعالى، إذ اختارَهُ الحُسين سفيراً له كما اختارَ مسلمَ بن عقيل سفيراً له إلى الكوفة، فكان ثقة المعصوم (عليه السَّلام) في مرحلة هي الأخطر في تاريخ الإسلام      كما كان "مسلم بن عقيل"، قُتِلَ على يد شرِّ خلقِ اللهِ آنذاك كما قُتِلَ مُسلم على يد ذلك الطاغية الشرير نفسه.

فمِن العدلِ والإنصاف والوفاء لتلك الشَّخصيَّةِ أنْ يُذكَرَ الشَّهيدُ "سُليمانُ بنُ رُزَين" ويُوضَعُ له رمزٌ على أرض البصرة، ويعمل الباحثون على إيجادِ قبرِهِ المُغيَّبِ، الذي استقربَ بعضُ المُحقِّقينَ أنْ يكونَ في ناحيةِ "الدّيرِ" كما ذكر ذلك البحَّاثةُ الشَّيخُ محمَّد حرز الدين  في كتابه "مراقد المعارف" في ترجمة "سليمان بن داود" ج 1 ص325 ما نصُّهُ: "والذي يغلبُ على الظَّنِّ وتسكنُ إليه النفسُ بعضَ السُّكونِ هو أنَّ هذا القبر لسُليمان بن رزين مولى الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السَّلام) ورسوله الذي أرسله إلى رؤساء الأخماس في شيعتهِ وشيعةِ أبيه في البصرة، وقبضَ عليه ابنُ زياد وقتلَهُ في البصرةِ قبل ورودِ الإمامِ الحُسينِ (عليه السَّلام) إلى العراق.

 

 

 


ياسين اليوسف


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :