مركز تراث الحلة
  الحلة الفيحاء في أقوال العلماء
التاريخ : 13 / 4 / 2017        عدد المشاهدات : 4398

        

      تمتلك مدينة الحلة تاريخاً حضارياً واسعاً تحدثت عنه مئات الصفحات من كتب التاريخ، والأدب، والرجال، والجغرافيا، والرحلات وغيرها، حيث إننا أمام إرث حضاري، فكري، علمي، أدبي، يوصف بالروعة، والغزارة والثراء، فمدينة الحلة تعد واحدة من المراكز الثقافية العربية الإسلامية المهمة في العراق، إذ قدمت خدمات جليلة للإسلام في ما انجبته من عقول نيرة مبتكرة في ميادين الفلك، والعلوم والأدب والفنون.

     إن خير ما امتازت به المدينة  تفوقها في الجانب الفكري، والعلمي الديني، وهي مدينة تتسامى بها المعارف، والعلوم على يد علماء أكرمهم الله بلطفه، فسلكوا طريق الحق، وساروا في جادة الصواب، زيادةً على ذلك فهي موئل العلماء، وموطن الأدباء في علوم شتى كالتاريخ، والفقه، والأصول، والرجال، والأدب، وغيرها من العلوم، ومما يحسب للحلة في سفر التاريخ أنها احتضنت الحوزة العلمية قرابة أربعة قرون في أصول الفقه الشيعي، وتلك هي سمة هذه المدينة المعطاء ﺣﺗﻰ ﺗﻘﺎطر ﻋﻠـﻳﻬا ﻣﺋـﺎت اﻟﻌﻠﻣـﺎء واﻷدﺑـﺎء، وأﺻــﺑﺣت ﻛﻌﺑــﺔ ﻟﻬــم ﻟﻣــﺎ ﻳﻠﻘوﻧــﻪ ﻣــن رﻋﺎﻳــﺔ وﺗــﺷﺟﻳﻊ ﺣﺗــﻰ أن ﺑﻌــض ﻣــن وﻓــد إﻟﻳﻬــﺎ اﺗﺧــذﻫﺎ ﻣوطﻧﺎً ﻟﻪ ﺑدﻻ من ﻣوطﻧﻪ اﻷﺻﻠﻲ ﻣﺛﻝ اﻟﻬﻳﺗﻲ أﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﻟﻲ، واﻟﺳﻧﺑﺳﻲ أﺑﻲ ﻋﺑـد ﷲ وﻏﻳرﻫﻣـﺎ.

   وقد شكلت عوامل عديدة جعلت الحلة تتفرد عن سواها كبيئة علمية أدبية دينية، منها موقعها الجغرافي، وأجواؤها الطبيعية، من حيث عذوبة الماء ونقاوة الهواء، واعتدال المناخ، وجمال المرابع، حتى سميت (بعروس الفرات، وكعبة العلم، ومعقل العروبة).

   وقد ساعد عدم استباحة التتار لها، وقربها من المراكز الدينية المقدسة في كربلاء المقدسة والنجف الأشرف، على أن تكون مصدراً من مصادر الحفاظ على الثقافة العربية والإسلامية، وخزائن الكتب، والعلم، والتاريخ، في الوقت الذي غطى الجهل الأقاليم العربية، وفي القرن التاسع الهجري كانت ازهار علوم الدين، والأدب والشعر تتفتح في رياض الحلة، وقد وصفها وقال فيها المؤرخ عبد الرزاق الحسني في أول جريدة صدرت في الحلة (الفيحاء) بقوله: الفيحاء كما عرفها من درس تأريخها المجيد كانت بلدة دبيس، في أيام العباسيين زهراء بعلمائها، إذ كانت محط رجال العلم والأدب تقربت إليها آباط الإبل، ونشأ فيها المحدثون والمفسرون والفقهاء والشعراء، ومما ينقله الرواة في كتبهم إنه نشأ فيها سبعمئة مجتهد في عصر واحد.

   وقد امتازت الحلة بمكانتها الأدبية والعلمية في القرون الثلاثة، السادس والسابع، والثامن الهجري، وأصبحت مدرسة علمية كبيرة، وتزامنت مع مدرسة النجف التي طور الدراسة فيها ونظمها تنظيماً دقيقاً أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (رحمه الله) المتوفى سنـــة (460هـ)، وأصبحت تساير مدرسة النجف،

 كما نتج تلاقح فكري بين المدرستين، لذلك نجد علماء الحلة ينتقلون إلى النجف كما ينتقل علماء النجف إلى الحلة للدراسة وطلب العلم، فنجد لقب الحلي الغروي كما في (محمد بن علي بن محمد الجرجاني, الإسترابادي, الحلي الغروي, ركن الدين متكلم, أصولي, مشارك في أنواع العلوم, ولد ونشأ في الحلة, وسكن الغري, وأخذ عن العلامة الحلي، من تصانيفه الكثيرة، شرح مبادئ الأصول لأستاذه الحلي فرغ من شرحه سنة (697هـ)، ومحمد بن محمد الكوفي الهاشمي الحارثي جلال الدين الفقيه تلميذ المحقق الحلي).  

      وكان للمدينة أثر في فكر، وعقول العلماء، ورجال الدين، في مختلف العهود فذكروا المدينة ومآثرها وما امتازت به من مكانة، وما اشتهر به رجالاتها وعلماؤها، في أكثر من موضع في كتبهم وأحاديثهم وهم كثر، ولعل خير من أشاد بالمدينة قبل أن تبنى وتؤسس هو إمام المتقين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن ابي طالب (صلوات الله عليه وسلامه)، إذ يذكر العلامة المجلسي (قدس سره) في بحار الأنوار(عن جعفر بن محمّد بن قولويه، عن الكليني، قال: حدّثني عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي حمزة الثمالي، عن الأصبغ بن نباتة، قال: صحبت مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) عند وروده إلى صفين وقد وقف على تل يقال له تل عرير، ثمّ أومأ إلى أجمة ما بين بابل والتل وقال: مدينة وأيّ مدينة، فقلت له: يا مولاي أراك تذكر مدينة أكان هاهنا مدينة وإنمحت آثارها؟ فقال: لا ولكن ستكون مدينة يقال لها الحلّة السيفية، يمدّنها رجل من بني أسد، يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرّ قسمه).

مخططات حلية

   فضلاً عن كون الحلة قد أصبحت مركزا للفكر الإمامي بمختلف جوانبه، فقد كانت مركزاً تجارياً، وأخذت تحل محل الكوفة في النواحي الإقتصادية والإدارية في منطقة الفرات الأوسط، وتطورت إلى محطة تجارية في الطريق البري بين بغداد والكوفة، وتضاعفت أهميتها حينما صار طريق الحجاج يمر بها سنوياً قبل التوجه إلى مكة، وهذه الأسباب جعلت العلماء يفدون إليها، ومن الذين هاجروا إلى الحلة أبو المكارم عز الدين حمزة بن علي المتوفى سنة (585هـ)، وذلك في عام(574هـ) وهو في طريقه إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج، وقد تتلمذ على يد السيد عز الدين آل زهرة الحلبي العلامة الكبير فخر الدين محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس العجلي الحلي المتوفى سنة (598هـ)، وروى عنه في كتابه السرائر، كما وفدها علي بن منصور بن أبي الغنائم صاحب الحاتم العريضي النقيب اللغوي الشاعر من أهل المدائن (ت 608هـ)، وأحمد بن علي بن معقل المهلبي الحمصي الحلي, عز الدين أبو العباس الأديب الشاعر (ت 644هـ)، وعلي بن محمد بن علي القاشي الحلي نصير الدين المعاصر للعلامة الحلي وغيرهم، وهكذا أصبحت مدينة الحلة ملجأ للعلماء، ومقصدا للوافدين .

 

رسم تخطيطي الشهيد الثاني

    وكان الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911-965هـ) من العلماء الذين اهتموا كثيراً بذكر علماء الحلة الأعلام، والترجمة لشيوخها ورجالها، وكذلك اهتم بتدوين وذكر الإجازات العلمية، ذات الفوائد التاريخية، والفقهية لعلماء الحلة الفيحاء وذكر مصنفاتهم، وممّا ذكره في ذلك أخبار علماء آل نما الحليين، ومنها أخبار العالم نجيب الدين أبي إبراهيم محمد بن جعفر بن محمد بن نما الحلي، وكان الشهيد الثاني أحد طلابه.

مرقد الشيخ الحر العاملي

      وكذلك اهتم بذكر مدينة الحلة الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي (1033ﻫ ـ 1104ﻫ) ومما قاله في كتابه رياض العلماء في ذكر أسرة آل نما وأعلامها قوله: هؤلاء سلسلة جليلة من فقهاء الطائفة في الحلة ولكثرتهم واشتهار كل واحد منهم بكونه ابن نما وشيوع إسقاط الأب بل بعض الأجداد أيضاً في النسب كثيراً ما يشتبه حالهم ويغلط فيهم ويوضع أحدهم موضع الآخر، حتى إن ذلك صدر من فحول العلماء، وفي مستدركات الوسائل يروي الحسن بن أحمد بن نما عن جماعة من العلماء منهم : جمال الدين أحمد بن يحيى المزيدي الحلي، ونجيب الدين يحيى بن سعيد الحلي ابن عم المحقق ووالده نظام الدين أحمد عن والده نجيب الدين أبي عبد الله محمد، وأخوه نجم الدين جعفر بن محمد صاحب كتاب (مثير الأحزان وأخذ الثار) عن والده نجيب الدين محمد.

ومن العلماء والكتاب المعاصرين الذين ذكروا الحلة وأشادوا بفضلها، ومكانتها العلمية والأدبية الدكتور محمد مهدي البصير، إذ كانت الحلة مركز نهضة ثقافية عظيمة، ويذكر الشيخ عبد المولى الطريحي المدينة بقوله: وقد نبغ في الحلة فريق عظيم من العلماء، والفقهاء، والأطباء، والفلاسفة، والأدباء والشعراء ما لا يحصون عدداً لكثرتهم.

الشيخ عبد المولى الطريحي

   وذكر الميرزا عبد الله الأصفهاني الأفندي في كتابه رياض العلماء ما مضمونه أنه عاش في الحلة خمسمئة مجتهد في قرن واحد فضلاً عن سائر القرون، وذكرها الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء بقوله: من ذلك كله نشأت هذه البلدة الطيبة عريقة في العراق بالعربية والعلم والأدب والتشيع ولم تزل على هذا تتسامى وتتعالى في هذه المعالي والفضائل إلى يوم الناس هذا.

الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء

    هذه نبذة يسيرة وإنموذج من أقوال تلكم الأعلام وغيرهم الكثير من العلماء ممن ذكر المدينة أو علماءها، وأدباءها، ومفكريها لانستطيع لهم حصراً ولا لبيانهم حداً في هذه المدينة المعطاء التي هي كما وﺻفها السيد هادي كمال الدين:

ﻣدﻳﻧــــــﺔ اﻟﺣﻠــــــﺔ ﺳـــــــــﺣﺎرة     ﻣــــــﺎ ﻓـــــﺎرق اﻹﺑــــــداع آﻓﺎﻗﻬــــــــﺎ

ﺗﻌﻬــــــــد اﻟﺣﺳـــــن ﻟزوارﻫـــــــﺎ  ﻓــــﻲ ﻛـــــﻝ ﻣــــﺎ واﻓـــــق أذواﻗﻬـــــــﺎ

ﻛﺎﻧـــت ﻓﻧــــون اﻟﺳـــﺣر أﺳـــطورة      ﻟﻣــﺎ طﻐـــﻰ أﺳــــﻠس أﺧﻼﻗﻬـــــــﺎ

ﻓﻠﻳﻠﻬـــﺎ ﻗــــد ﻛــﺎد ﻓـــﻲ ﺣﺳـــــﻧﻪ      ﻳﺳـــــﺗﻣﻬﻝ اﻟﺷــــﻣس وإﺷــــــــراﻗﻬﺎ

        ﻟـــو ظــهـرت ﺟﻧـــﺔ ﻋـــدن ﻟﻣــــﺎ    ﻛﺎﻧـــت ﺳــــوى اﻟﻔﻳﺣــــﺎء ﻣﺻــداﻗﻬﺎ

ﻟـــﻳس ﺑﻬــﺎ ﺷـــﻲء ﺳــوى أﻧﻬـــﺎ         ﻗــــد ﻣــــﻸت ﺑــــﺎﻟﺧﻳر أﺳــــواﻗﻬﺎ

 

السيد هادي كمال الدين

 

 

السيد عيسى الحسيني الحلي

 

 

 


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :