مركز تراث البصرة
ثورةُ أهلِ البصرةِ على الحجّاجِ
التاريخ : 14 / 3 / 2017        عدد المشاهدات : 10375

ثورةُ أهلِ البصرةِ على الحجّاجِ

   في سنةِ خمسٍ وسبعينَ من الهجرة، ثار النّاسُ بالبصرةِ على الحجّاج؛ وذلك أنّه خرج من الكوفة بعد أنْ قَتَلَ ابن ضابئ 1])، وقدم البصرة، فقامَ فيهم بخطبةٍ مثل التي قام بها في الكوفة، وتوعَّدهم مثل وعيدِه أولئك. فأُتيَ برجلٍ من بني يشكر، فقيل له: إنّ هذا عاصٍ، فقال الرّجل: إنّ بي فتقاً، وقدْ رآهُ بِشر فعذرني، وهذا عطائي مردودٌ إلى بيت المال، فلم يقبل منه الحجّاج وقتله، ففزعَ لذلك أهلُ البصرة، فخرجوا حتّى أدركوا العارض بقنطرة رامهرمز، وخرج الحجّاج ونزل رستقباذ، وكان بينه وبين المهلّب ثمانية عشر فرسخاً، فقام في النّاس، فقال: إنّ الزّيادة التي زادكم ابن الزّبير في أعطياتكم زيادة فاسقٍ منافقٍ(2)، ولستُ أُجيزها، فقام إليه عبد الله بن الجارود العبديّ(3) معترضاً بأنّها زيادة عبد الملك، وقدْ أثبتها لهم(4).

   وعلى ما يبدو أنّ حرّيّة التعبير عن الرأي لم تكنْ ضمن متبنّيات الحجّاج؛ ربّما لأنّه عدّ ذلك تدخّلاً في صلاحيّاته، وتطاولاً عليه بصفتهِ والياً، فردّ عليه بعنفٍ، وقال: ((مَا أنتَ والكلام، لَتُحْسِنُ حَمْلَ رأسِكَ أو لأسلبنّكَ إيّاه))(5)، فكذّبه وتوعّده، فخرج ابن الجارود على الحجّاج، وبايعه وجوهُ النّاس، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقُتل ابن الجارود وجماعةٌ من أصحابه، وبُعث برأسِهِ ورؤوس عشرةٍ من أصحابِهِ إلى المهلّب، ونُصبتْ برامهرمز للنّاس، وانصرف الحجّاج إلى البصرة(6).

وهذه السّياسة عامّة لدى ساسة وحكّام بني أميّة، فقدْ نعتَ المؤرّخونَ عبد الملك بن مروان بأنّه أوّل مَن نَهى عن المعروف، وأوّل مَن نهى عن الكلام بحضرته (أي: أوّل مَن كمّ الأفواه) (7)، وقرنوا ذلك بقوله: ((...واللهِ، لا يأمرني أحدٌ بتقوى اللهِ بعدَ مقامي هذا إلّا ضربتُ عنقَهُ))(8).

 

 

 (1) هو عمير بن ضابئ البرجميّ، اعتذر للحجّاج عن الالتحاق بجيشه بسبب كبر سنّه. للتفصيل، يُنظر: الأخبار الموفّقيّات، الزّبير بن بكّار: ص94؛ وتاريخ، الطبري: ص5/ 44؛ والفتوح، ابن أعثم: 7/ 11 – 12؛ والكامل في التاريخ، ابن الأثير: 9/ 14.

(2) أنساب الأشراف، البلاذريّ: 7/ 282.         

(3) هو عبد الله بن بشر بن عمرو بن عبد القيس، ولي أخوه للإمام علي اصطخر، قاد تمرّداً ضدّ الحجّاج، وهُزم هو وأصحابه سنة (75هـ). يُنظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد: 5/ 559؛ والكامل في التاريخ، ابن الأثير: 4/382-385.

(4) يُنظر: أنساب الأشراف، البلاذريّ: 7/282.

(5) المصدر نفسه.

(6) المنتظم، ابن الجوزيّ: 6/149.                                

(7) الأوائل، العسكريّ: ص202؛ والكامل، ابن الأثير: 4/ 522؛ والوافي بالوفيات، الصّفديّ: 19/ 141؛ وفوات الوفيات، الكتبيّ: 2/ 26؛ وتاريخ الخلفاء، السّيوطيّ: ص239. 

(8) يُنظر: الأوائل، العسكريّ: ص202؛ وتاريخ الخلفاء، السّيوطيّ: ص239.


د.طارق محمد حسن


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :