تاريخ البصرة

ولايةُ زياد بن أبيه وسياستُه في البصرة (45-53ه/ 665-673م)

ولايةُ زياد بن أبيه وسياستُه في البصرة (45-53ه/ 665-673م)

تولّى زياد بن أبيه ولاية البصرة سنة (45ه/ 665م) بأمر من معاوية بن أبي سفيان، وبقي عليها إلى آخر حياتهِ. وقدْ عبَّر في خطبتهِ (البتراء) التي خطبها في أهل البصرة عن خُلاصة السِّياسة الأمويّة؛ إذ قالَ: ((وإنِّي أُقسِمُ باللهِ لآخُذنَّ الوليَّ بالوليِّ، والمُقيمَ بالظَّاعنِ ([1])، والمُقبلَ بالمُدبر، والمُطيعَ بالعاصي، والصَّحيحَ بالسَّقيم... ، حتّى يَلقى الرَّجل منكم أخاه، فيقول: أُنجُ سعدُ، فَقَدْ هلك سعيد([2])، أو تَستقيم لي قناتُكُم))([3]). وقد أكَّد زياد بن أبيه مبدأ قدسيّة السُّلطان ووجوب الطاعة، فقال: ((إنّا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خوَّلنا))([4]). وقدْ كان زياد مطلق الصَّلاحيّة في فرض أيِّ عقوبة يراها، وكان يمثِّل سياسة الدَّولة، وصوتها الناطق، وسيفها الضّارب، فلا يوجد أيُّ معترضٍ على ذلك، وإنْ وجد، فإنَّ عقوبته قدْ حدَّدها له مسبقاً؛ إذ قال: ((إنّما هو زَجرٌ بالقول، ثمَّ ضربٌ بالسَّوط، ثمَّ الثالثة التي لا شوىً لها، فلا يكوننَّ لسانُ أحدكم شفرةً تَجري على أوداجهِ، ولْيعلَم إذا خلا بنفسهِ أنِّي قدْ حملتُ سيفي بيده، فإنْ شهرَه لم أُغمدْه، وإنْ أغْمَدَهُ لم أشهرهُ))([5]). ولعلَّ قول الجاحظ ([6]) فيه: إنّه (كانَ يدفنُ النّاسَ أحياءً)، قولٌ يحكِي الرَّهبةَ والخوفَ فيما كانَ يرتكبُ من أفعالٍ. وبالرُّغم مِن أنَّ الوضعَ العامَّ كان مضطرباً في البصرة إبّان عهد الوالي السَّابق عبد الله بن عامر (41-44ه)، إلّا أنّ ممارسات زياد كانت أكثر ضراوةً، وأشدَّ قسوةً ممّا توقّع النّاس؛ إذْ أعطى أوامر لصاحب شرطته بأنْ يضرب عنقَ كلِّ مَن وُجد خارج داره بعد صلاة العشاء حتّى لو كان ولده([7])، فجيء إليه في اللّيلة الأولى بـ (تسعمائة رأسٍ)([8])، وقيل: (خمسمائة) ([9])، وفي اللَّيلة الثّانية بـ (خمسين رأساً)، وفي اللَّيلة الثّالثة بـ (رأسٍ واحدةٍ) ([10]). وهذه الإجراءات التي فرضها زياد واضحةُ المخالفة للشّريعة الإسلاميّة في تنفيذ الأحكام وتطبيقها، وهي أحكامٌ قاسيةٌ جدّاً جرتْ على أبرياء، وعلى ذكر حظر التجوال اللَّيليّ، الذي فرضه زياد، فقدْ جيء برجلٍ أعرابيٍّ وجده الشرطة يتجوَّل ليلاً، فقال له زياد :((هل سمعتَ النِّداء)) - أي منع التجوال ليلاً-، قال: ((لا والله، قدمتُ بحلوبةٍ لي، وغشيني اللَّيل، فاضطررتها إلى موضعٍ، فأقمتُ لأُصبح، ولا علمَ بما كان من الأمير. قال زياد: (أظنُّكَ واللهِ صادقاً، ولكن في قتلك صلاح هذه الأُمَّة)، ثمّ أَمَرَ بهِ، فضُربتْ عُنُقُهُ([11]). ([1]) الظاعن: الراحل، وتُطلق على كلِّ شخص ذهب إلى سفر، أو حجٍّ، أو سار من مدينة إلى أخرى. يُنظر: لسان العرب، لابن منظور: 13/ 271. ([2]) سعد وسعيد: هما ابنا ضبّة بن أد، خرجا في طلب إبل لأبيهما، فرجع سعد، وفُقِدَ سعيد، فكان ضبّة إذا رأى سواداً تحت اللَّيل قال: أسعدُ أم سعيد. يُنظر: جمهرة الأمثال، العسكريّ: 1/155، 377. ([3]) البيان والتبيين، الجاحظ: ص243؛ أنساب الأشراف، البلاذريّ: 5/ 207؛ تاريخ، الطبريّ: 4/ 166؛ تجارب الأمم، ابن مسكويه: 2/ 16؛ الفتوح، ابن أعثم الكوفيّ: 4/ 303. ([4]) يُنظر: الجاحظ، البيان والتبيين، ص244، البلاذريّ، أنساب الأشراف: 5/208؛ ابن عبد ربّه، العقد الفريد: 3/274. (6) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1/279. )7) المحاسن والأضداد: ص67. ([7]) الأخبار الموفّقيّات، الزبير بن بكّار: ص256. ([8]) المصدر نفسه: ص257. ([9]) أنساب الأشراف، البلاذريّ: 5/196. ([10]) الأخبار الموفّقيّات، الزبير بن بكّار: ص257. (12) يُنظر: تاريخ، الطبريّ: 4/168؛ الكامل، ابن الأثير: 3/450.

صور من الموضوع ...

نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7800816579
00964-7800816579
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
turathofbasrah@gmail.com

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...